خطيب بدلة
سأتوخى الحذر في أثناء حديثي عن الطفلة العربية ذات الـ11 سنة التي أخذتها السلطات المحلية السويدية “السوسيال” من أهلها، وسأنتقي كلماتي بدقة، لأنني، بصراحة، أخاف من الإخوة المتهيجين تجاه الغرب، وثقافته الديمقراطية الحقيرة.
أخاف منهم، لأنهم متوترون، يناوبون على صفحات “السوشيال ميديا” 24 ساعة، مستنفرين خشية أن يمرق منهم رأي تنبعث منه رائحة موضوعية، أو تفكير عقلاني يؤدي إلى انتقاد الطفلة، أو تأييد لما فعله “السوسيال” السويدي، فتراهم يتعاملون مع هذا الرأي بطريقة الرجل الذي ضرب زوجتَه فجأة، ودون مناسبة، سألته عن السبب، فقال: لأنكِ، قبل سنتين، أضعتِ مفتاح باب الدار، فاضطررنا، وقتها، لفش القفل، وتكبدنا خسارة خمسمئة ليرة، كان بإمكاننا أن نصرفها على أنفسنا وأبنائنا.
عندما تحدثتْ والدةُ الطفلة إلى الإعلام، ذكرت عدة نقاط، أولاها أن ابنتها تحجبت وهي في التاسعة من عمرها، وعن قناعة! وثانيتها، أنها كانت تنهى رفيقاتها في المدرسة عن أكل اللحوم (تقصد لحم الخنزير)، وارتداء كنزات بنصف كم، وتطلب منهن أن يتحجبن، لأن السفور حرام، وثالثتها، وعندما قالت إحدى رفيقاتها أنا عندي صديق، ردت عليها “أنا متزوجة”، ولأن السويديين مغفلون، يأخذون كل شيء على محمل الجد، فقد صدقوها، فاضطرت الأم أن تخبرهم أن ابنتها كانت “تقشمر” (تمزح).
أنا شخصيًا، وبالعربي الفصيح، لا يهمني أن تتحجب نسبة 100% من بنات المسلمين. ليتحجبن، (وأنا مالي؟)، أو العكس، لأنني أعتبر هذا شأنًا يخص أهاليهنَّ بالدرجة الأولى، ولا أقول يخصهن شخصيًا، لأن الفتاة البالغة التي تتجاوز سن 15 سنة، تتحجب وفق سيناريوهات أعرفها جيدًا، لأنها مشتقة من تجربتي الشخصية، فابنتاي الاثنتان تحجبتا بموجب تلك السيناريوهات، وهي التالية: تأتي أم البنت بحجاب من السوق، وتقول للبنت: قيسيه، شوفي شقد راح يلبق لك. إذا لم تستجب البنت، وبقيت تخرج سافرة، لا تبقى معلمة ديانة، ولا معلمة مادة أخرى، ولا خالة، ولا عمة، ولا جارة، إلا وتتحدث معها مباشرة، أو عن طريق خالتها: ليش بنت أختك لهلق ما تحجبت؟ ناهيك بزميلاتها في المدرسة اللواتي يتقمصن شخصية الداعية عمرو خالد، أو شخصية التلميذة التي أخذها “السوسيال” السويدي، بالضبط. وهناك ناصحات من نوع آخر، يحملن وجهة نظر قوية، إذ يقلن لها إن البنت السافرة مضروبة، وسوق الزواج الخاص بها داقر، وقلما يخطر لرجل أن يطلب يدها، وإذا جاء قد يكون سكيرًا، سرسريًا، ثمنه، إذا حمي المزاد، ربع ليرة سورية.
هذا كله ونحن لم نرصد ما يجري مع الأب المطنش عن تأخر ابنته في وضع الحجاب، فالعائلة كلها (آل بدلة مثلًا) يستنفرون، لأسباب لا علاقة لها بالدين بتاتًا، بل بالسمعة والعِرض، ويبدأ الهمس فيما بينهم، واللغط، والتسريبات، والرسائل التي من قبيل: إذا كان شرف العائلة لا يهمك، يا سيد خطيب، فنحن يهمنا.
الخلاصة: لا يخلو الأمر من نسبة 5% من البنات اللواتي يتحجبن عن قناعة، ولكن قناعتهن تأتي، غالبًا، من أن البنت تفكر: خليني أتحجب لحالي، أحسن ما يبلشوا فيني.