نبيل محمد
ليس غريبًا أن تعود الممثلة السورية صباح السالم إلى أجواء العمل الفني، وأن تبحث مجددًا عن مكان لها تستطيع من خلاله وقبل كل شيء كفاية نفسها ماديًا في بلاد تعيش أغلبية سكانه دون خط الفقر، مع أن العمل الفني الذي سيُتاح لها، كما يظهر حتى الآن على الأقل، قد لا يرقى لمستوى الكفاية المادية، ولعل صفة فنان اليوم لم تعد تعني ما كانت تعنيه سابقًا، خاصة لأولئك الذين لا تتيح شهرتهم الحصول على إقامة ذهبية في الإمارات، أو حتى المشاركة في عمل خارج سوريا، وكم من فنانين يشكون همومهم المادية على الشاشات، ويتجهون إلى النقابة لدعمهم بالفتات الذي توزعه بين حين وآخر.
لصباح السالم وضع مختلف لا شك، فالنجمة التي غابت خلال سنوات انتعاش الدراما السورية وما بعدها في العقدين الأول والثاني من القرن الـ21، بين الإدمان ثم السجن، جاءت اليوم لتبحث عن باب جديد يمكن العودة منه، وإذ بها تظهر في المسرح، ذلك المكان الذي لم تعمل به سابقًا، فقد كانت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ممثلة تقتصر على الظهور في التلفزيون. ومن باب المسرح إلى باب الإذاعة لتعود من خلال برنامج “حكم العدالة” على إذاعة “دمشق”، ولتقول وبالصوت الملآن في حوار أُجري معها مؤخرًا على “ET بالعربي”، إن أجرها في المسلسل الإذاعي يساوي أجرة “التاكسي” من وإلى الإذاعة، وإن أجرها في المسرحية لا يساوي إلا جزءًا بسيطًا مما صرفته خلال “البروفات”.
تظهر السالم في اللقاء منهكة، لا تريد أن تعبّر عن يأسها رغم أن كل ما يحيط بها يدعوها لليأس، فهي وحسب قولها تتعرض للحرب بما هو سليم عندها، قاصدة أنه لا يتم تشغيلها لأن من يحاربها يقول إنها “لا تقدر على التركيز والحفظ”، وإن هذا أسلوب معروف في الحرب ضدها، في وقت تحاول فيه بشتى الوسائل استعادة تفعيل حضورها الفني، وهو ما لم يجدِ نفعًا بعد وفق ما يبدو، وما يضطرها إلى الاعتماد على دعم أصدقائها المادي، في مواجهة الظروف الصعبة التي تعيشها منذ خروجها من السجن قبل حوالي سنتين.
تقول السالم إنها لا تريد النظر إلى الخلف، بمعنى أن التجربة القاسية التي عانتها، والتي غيّرت مجرى حياتها بالكامل، لن تكون جزءًا من حاضرها، فقد حفرت المعاناة فيها ما يكفي، وما تنتظره اليوم هو فقط دعم الناس لها، الذي تطلبه على شكل “دعاء” بأن تستعيد ثقتها ليس بنفسها وإنما ثقتها بالحياة، الحياة التي اختلفت أمام عينيها منذ خروجها من السجن، وقد عبّرت مرارًا عن ذلك، فالنجمة التي غابت حوالي 20 عامًا عن الشاشة، أول ما واجهته عند ظهورها الأول بعد الخروج من السجن هو مفاجأة الناس بالتغير الذي طرأ على شكلها، وتواطؤ الإعلام المحلي السوري في تهويل الأمر، وتقديمه وكأنه درس في المصير.
لقد غابت السالم سنوات طويلة في السجن، وقد كان سجنًا سوريًا يمكن ببساطة تخيّل تفاصيل الحياة فيه، ستحفر هذه التجربة في بنيانها الجسدي والنفسي، ولعل مجرّد خروجها وهي قادرة على محاولة رمي التجربة السابقة خلف ظهرها، والبحث عن فرصة عمل، والابتسامة أمام الكاميرا، هو إنجاز يتطلّب التقدير والدعم، أما وقد تغيّر الشكل والصوت، وهو ما شكّل موضوعًا أساسيًا لـ”الميديا” بعد خروجها من السجن، فلا بد أن الخدمة في سجن “دمشق المركزي” لم تتضمن عمليات تجميل وشد للبشرة، تلك التي كانت متاحة لزميلاتها خارج السجن فاستطعن تغطية ما لم تستطع السالم تغطيته.
الفنانة المفصولة من نقابة الفنانين بسبب عدم دفعها الاشتراكات لسنوات طويلة، والتي تعاني مشكلات صحية من الطبيعي أن تعانيها بعد تجربتها القاسية، تواجه اليوم لا شك محكمة جديدة، محكمة القاضي فيها هو الوسط الفني وشركات الإنتاج وربما قطاع من الجمهور أيضًا، محكمة لا بد أن الفنانة كانت تعرف أنها تنتظرها بمجرد خروجها من السجن.