عنب بلدي – إسطنبول
شهد المعرض الأول للكتاب العربي في مدينة إسطنبول بين 6 و 15 تشرين الثاني الجاري، إقبالًا كثيفًا من الجاليات العربية، وبالتحديد السوريين المقيمين في تركيا. وترافق المعرض مع ورشات عمل وندوات فكرية حاضر فيها مفكرون وأدباء من سوريا واليمن ودول الخليج العربي.
المعرض الذي أقيم برعاية الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بمشاركة دور نشر من مصر ولبنان والمركز العربي للأبحاث في قطر، يعد نقلة نوعية في سبيل نشر الثقافة العربية والأدب العربي في تركيا، وفق رأي عدد من الزائرين في حديثهم لعنب بلدي.
من نظم المعرض؟
خُطط للمعرض مطلع العام الجاري على أن تكون الشبكة العربية للأبحاث والنشر منظمة ومسؤولة عن إجراءات إدخال الكتب إلى تركيا، وتشارك دور النشر بشكل مباشر فيه، إلا أن الأخيرة تحفظت خوفًا من أن يكون الأمر “غير مجدٍ”من الناحية المادية، بحسب محمد سعيد، مسؤول تنظيم المعرض.
ودعا رفض دور النشر المشاركة المباشرة في المعرض، الشبكة إلى شراء الكتب منها وعرضها ضمن مبنى تراثي ضم سابقًا اتحاد الناشرين الأتراك، في منطقة السلطان أحمد، التي تعتبر وجهة سياحية في مدينة إسطنبول.
نواف القديمي، المدير التنفيذي للشبكة العربية للأبحاث والنشر، قال إن المعرض جاء في الأساس “لخدمة العرب المقيمين في تركيا والذين قضوا فترة طويلة دون احتكاك مباشر مع الثقافة العربية”.
القديمي أردف في حديثه لعنب بلدي أن الموضوعات التي تسيطر على الحالة السياسية الدولية ومنها القضية السورية، “فرضت على الشبكة نوعية الكتب المنتقاة للمعرض”.
ويبدو أن تزايد عدد النخب الثقافية من كافة الجنسيات العربية في تركيا أثر على نوعية الكتب أيضًا، إذ أشار محمد سعيد إلى أن المعرض “ظهر نخبويًا لا يحوي كتبًا بسيطة شعبية للناس غير المتخصصة”.
ويوفر المعرض بالإضافة إلى الكتب برنامجًا ثقافيًا موازيًا يشمل مجموعة من الفعاليات الثقافية، بواقع برنامجين في اليوم الواحد، كالأمسيات الشعرية والندوات الفكرية والأدبية يلقيها عدد من المفكرين والسياسيين العرب.
الوضع الأمني أثّر على اختيار مكان عرض الكتب
قال سعيد إن الشبكة بحثت عن مكان واسع لعرض 5 آلاف كتاب تتبع لأكثر من 50 دار نشر ضمن أجنحة منفصلة، ولكن توقيت المعرض (بعد أيام من الانتخابات التركية) أثر على المكان المختار، الذي ترددت البلديات في الموافقة عليه في منطقة مفتوحة “تخوفًا من استهدافه بشكل أو بآخر”.
المكان الضيق لم يتح للقائمين على المعرض إظهار الكتب بشكل منظم، بحسب سعيد، مردفًا “أهملنا بعض التخصصات، ككتب الأطفال، وجاء الطلب عليها كبيرًا، بالإضافة إلى المناهج وخاصة للسوريين الذين يعانون من نقصها ضمن المدارس”.
الروايات على رأس المبيعات
مسؤول تنظيم المعرض، قال إن الكتب الأدبية (الروايات تحديدًا) احتلت المرتبة الأولى لمطالب الزوار، لافتًا إلى إلى أن كتب الشعر شهدت طلبًا كبيرًا إلا أنها كانت قليلة ضمن المعرض.
وضم المعرض أنواعًا عديدة من الكتب، إلا أن السياسية الحديثة منها بيعت بشكل “ملفت”، ضمت أسماءً لبعض الكتاب المعروفين التي لا توجد في المكتبات التي يغلب عليها الطابع التراثي، بحسب سعيد.
معتز الخطيب، أستاذ في الدراسات الإسلامية من مواليد دمشق، وأحد المحاضرين في المعرض، جاء من دولة قطر ليشارك في ندواته، عزا التركيز على الكتب الحديثة “لتوفر كتب التراث بكثرة وخاصة على الإنترنت، ولأنها تهم الناس أكثر في هذه الأيام”.
واعتبر الخطيب فكرة المعرض مهمة جدًا باعتباره “يلبي احتياجات المهاجرين العرب وخاصة النخبة الثقافية من كافة الجنسيات”، مردفًا أنه فاق توقعات الناس باعتباره مغامرة، “ولكنه نجح فعليًا”.
وأمام هذا الإقبال الكبير على شراء الكتب بسبب جودتها ورخص أسعارها، يرى زوار للمعرض ضرورة “أن تتسابق دور النشر على افتتاح مكتبات وفروع في تركيا لتغطية الطلب المتزايد على الكتب العربية، نظرًا لعدم توفرها وعدم وجود مكتبات أصلًا”. وبالتالي فتح المجال أمام قطاع أعمال جديد ولتشغيل أيدي عاملة هنا في تركيا.
فكرة لتنظيم معرض في غازي عنتاب
وتحدث مسؤول المعرض عن فكرة لنقل الفعالية إلى مدينة غازي عنتاب فور الانتهاء منها في إسطنبول، وهي التي لم تكن مطروحة قبل تنظيم المعرض، وذلك بعد أن وجهت الحكومة السورية المؤقتة دعوتها للقائمين عليه.
وأشار سعيد إلى أن الشبكة بصدد إنهاء الاتفاق، لافتًا إلى إمكانية تنظيمه بعد أسبوعين ولمدة 5 أيام في مدينة غازي عنتاب، على أن يضم الكتب المتبقية، إذ “لا يوجد مجال لجلب كتب جديدة باعتبار أنها شحنت قبل ثلاثة أشهر من بداية المعرض”.
وحول طريقة تصريف الكتب المتبقية حين انتهاء المعرض قال سعيد إن الشبكة تناقش الفكرة الأنسب لذلك، مشيرًا إلى إمكانية التعاون مع بعض المكتبات الموجودة في إسطنبول والذين أبدوا رغبة في شراء عدد من العناوين، “نحن سهلنا دخول الكتب وهي الخطوة الأصعب”.
تأسست الشبكة العربية للأبحاث والنشر عام 2008 وكانت انطلاقتها الحقيقية في 2010، بحسب مديرها، الذي أشار إلى أن تركيزها الأساسي ينصب على الكتب الفكرية والأبحاث، مشيرًا “نحاول أن نكون موجودين في جميع الدول لحل أزمة حركة الكتب العربية”.
ويقع المركز الرئيسي للشبكة في بيروت، وافتتحت أول فرع لها في القاهرة عام 2011، وألحقته بفرع آخر في المغرب بعد سنة ونصف، كما تعمل على إنشاء مكتبة في بيروت وتونس ومن ثم الأردن مطلع العام المقبل.
ويبقى القارئ العربي في مهجره متعطشًا للقراءة بلغة الضاد في ظل ندرة المشاريع الثقافية، واقتصارها على المحاولات “الخجولة”، فهل ستنتهي هذه المحاولات مع نهاية المعرض أم تستمر لتروي ظمأ النخب العربية المثقفة خارج حدود أوطانهم.