عنب بلدي – القنيطرة
“لو كنا نعلم أن الأوضاع ستزداد سوءًا لغادرنا بالباصات الخضراء”، قال الشاب بلال النعيمي، معبرًا عن رأيه ورأي عدد متزايد من الشباب في القنيطرة.
رحلة التهجير الأولى التي عاناها سكان القنيطرة منتصف عام 2018، والتي رفضها العديد من الشباب مفضلين البقاء في مناطق سيطرة النظام السوري، وآملين إعادة بناء حياتهم، صاروا يرونها خيارهم الوحيد.
تردي الأوضاع المعيشية والأمنية في القنيطرة لم يكن كما في غيرها من المناطق التي عادت إلى سيطرة النظام، بعد أعوام من خضوعها لسيطرة الفصائل المعارضة، إذ عاد التهجير والتهديد بالاقتحام العسكري نهجًا للتعامل مع السكان، فكان ارتفاع موجات الهجرة هو الرد.
فوز يدفع إلى اليأس
“لا يخلو طريق المهاجرين من خطر الاعتقال أو الموت أو الإصابة”، حسب رأي نور السيد، لكن ما سمعه عنه لم يحل دون خوضه الرحلة.
وصل نور إلى الأراضي التركية، بعد قطعه الطريق الواصل من محافظته التي تقع جنوبي سوريا إلى مناطق السيطرة التركية شمالًا، وما دفع الشاب، مع ثمانية آخرين، للمخاطرة بالرحلة هو “اليأس”، حسبما قال لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن الانتخابات الأخيرة، التي جرت في 26 من أيار الماضي، والتي أُعلن فيها عن فوز بشار الأسد بفترة رئاسية رابعة، كانت أحد الدوافع الجديدة لاتخاذ قرار الرحيل.
سوء الأوضاع المعيشية، والخشية من الملاحقات الأمنية، والخدمة العسكرية، وتضييق النظام وحواجزه، كانت ما تبقى من الدوافع التي عدّدها، ليكون العيش في سوريا “مستحيلًا”، حسب وصفه.
حين سيطرت قوات النظام، مدعومة بسلاح الجو الروسي، على المنطقة الجنوبية، قبل نحو ثلاثة أعوام، فرضت “تسوية” على الشباب الراغبين بالبقاء، مانحة إياهم مهلة للالتحاق بالخدمة العسكرية، مع تقديمها بطاقة تسمح لحاملها بالمرور من الحواجز الأمنية دون القبض عليه.
مُدّدت المهلة في 5 من نيسان الماضي، بعد أن خشي العديد من الشباب أن تبدأ حملات الاعتقال، وكانت المهلة الجديدة لمدة عام كامل، لكن المشكلات الأمنية لم تنتهِ في المحافظة، إذ شهدت خلال الشهر الماضي عملية تهجير جديدة لعائلات في بلدة أم باطنة بالريف الشرقي.
بدأت التوترات مع هجوم على حاجز يخضع لسيطرة الميليشيات الإيرانية، في 1 من أيار الماضي، ليتبعه قصف للبلدة وتصعيد استمر أسابيع، ومع حملة الانتخابات الرئاسية تصاعدت التهديدات للفرق الحزبية والحواجز الأمنية لإغلاق مراكز الاقتراع في قرى وبلدات عدة من المحافظة.
الطريق إلى “الحلم”
وصف نور عملية التهريب من القنيطرة إلى تركيا بـ”الحلم”، خاصة عند عبور مناطق سيطرة النظام السوري و23 حاجزًا أمنيًا.
بعد الاتفاق مع مهرّب في المنطقة، ركب نور مع بقية الشبان بسيارة شخص يحمل بطاقة أمنية تعود لـ”المخابرات الجوية”، سمحت لهم بالمرور من الحواجز دون “تفييش” هوياتهم أو التعرض للمساءلة.
“عند كل حاجز يسقط قلبي من شدة الخوف ويطمئنني المهرب مستخدمًا عبارات لا تقلق، لا تخف، شارفنا على الوصول”، حسبما قال نور، مضيفًا أن الوصول كان بعد ساعات، قبل الانتقال إلى سيارة أخرى حملت المجموعة إلى مناطق سيطرة “الجيش الوطني” في ريف حلب الشمالي.
بعد الوصول إلى المناطق الخاضعة للسيطرة التركية، انتظرت المجموعة حتى حل الظلام قبل الركوب بإحدى السيارات العسكرية التابعة لـ”الجيش الوطني”، والتي نقلته إلى داخل الأراضي التركية.
تكاليف لا يحتملها الجميع
رغبة الشباب بالهجرة من عدمها لم تكن العائق الوحيد أمام خروجهم، بل إن التكلفة المادية، التي تقدر بنحو ثلاثة آلاف دولار، تمثل العائق الأكبر أمام نورس، البالغ من العمر 30 عامًا، والذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لاعتبارات أمنية، إضافة إلى خشيته من التعرض للاعتقال على حواجز النظام، كما حصل مع كثير من الشباب الذين حاولوا العبور، على حد قوله.
باع “أغلبية” الشباب الذين هاجروا من المحافظة العديد من ممتلكاتهم لتأمين مبلغ التهريب، وقالت أسماء لعنب بلدي، إن أمها باعت عقدًا من الذهب ودونمًا من الأرض الزراعية التي يمتلكونها، حتى تمكنت من إخراج أخيها من القنيطرة.
وفسر الناشط الحقوقي “أبو البراء”، من ريف القنيطرة، والذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لاعتبارات أمنية، التعامل الأمني للنظام السوري في المنطقة، بمحاولة لـ”تفريغ الجنوب من الشباب”، حسب رأيه، لـ”إخلاء الساحة للمتعاونين مع قواته والقوات الإيرانية”.
وتشهد المنطقة المحاذية للحدود الإسرائيلية انتشارًا للعناصر الإيرانيين ولعناصر “حزب الله” اللبناني، واستُهدفت من الجيش الإسرائيلي بالضربات الجوية والمدفعية خلال سنوات الحرب السورية.