حمص – عروة المنذر
في عمق البادية السورية، ورغم بسط النظام سيطرته على المنطقة الممتدة من شرق تدمر حتى دير الزور، منذ عام 2017، بإسناد جوي روسي، تتقاسم قواته مع القوات الإيرانية وفلول من تنظيم “الدولة الإسلامية” السيطرة على ناحية السخنة “الاستراتيجية”، لتبقى محتلة عناوين الأخبار بهجمات متتالية وأنباء مستمرة عن ضياع الأمن، بالنسبة للمدنيين والعسكريين على حد سواء.
دعم عسكري على طريق “استراتيجي”
على الرغم من عمليات التمشيط الدورية، التي تقوم بها قوات النظام بريًا وجويًا، أتقن عناصر التنظيم فنون التخفي والتمويه في الصحراء الواسعة الممتدة حتى دير الزور شرقًا، والحدود العراقية جنوبًا.
تقع السخنة شرق تدمر بـ70 كيلومترًا، على طريق “M20″، الذي أكسب المنطقة بعدًا “استراتيجيًا”، كونه طريق الإمداد الوحيد لقوات النظام في دير الزور، والمعبر البري الوحيد الذي يربط طهران بدمشق، بعد إقامة القوات الأمريكية قاعدة “التنف” في المثلث الحدودي عام 2014.
ويعتبر “M20” الشريان الاقتصادي الذي يربط محافظة دير الزور ببقية المناطق التي يسيطر عليها النظام، واتبع التنظيم في عملياته ضد قوات النظام وحلفائها المارة على الطريق تكتيك الكمائن والهجوم الخاطف.
وتنتشر في المنطقة نقاط عسكرية ثابتة لـ”الفرقة 18″، و”الفرقة 11 دبابات”، وقوات “الدفاع الوطني مركز البادية”، وقوات “لواء الباقر” وفوج “التدخل السريع” الإيرانيين، وتتبع أمنيًا لـ”فرع البادية” التابع لـ”الأمن العسكري” في مدينة تدمر، بالإضافة إلى “درع الأمن العسكري” و”مكتب أمن الرابعة”.
لكن ذلك لم يقف أمام تبني التنظيم 38 هجومًا، عام 2020 وحده، ضمن بادية حمص، سببت مقتل 177 شخصًا، 40 منهم كانوا في كمين واحد قرب السخنة، في 30 من كانون الأول 2020، دون انقطاع هجماته في العام الحالي، التي كان من أحدثها مقتل 12 جنديًا من قوات النظام، في 3 من شباط الحالي، حسبما نشرت وكالة “سبوتنيك” الروسية.
“ترفيق” للقوات البرية بطيران عمودي
كثف عناصر تنظيم “الدولة” من استهدافهم قوافل المبيت العسكري التابع لقوات النظام منذ مطلع العام الحالي، رغم كثافة حواجز القوات الإيرانية على طول الطريق الواصل بين السخنة ودير الزور، ما أرغم قوات النظام على “ترفيق” القوافل العسكرية بالطيران العمودي.
ياسر، مقاتل يتبع لـ”الفرقة 17″ في دير الزور، (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إن الحوامات بدأت بمرافقة حافلات المبيت العسكري للقوات التابعة لـ”الحرس الجمهوري” و”الفرقة 17″، طوال الطريق من تدمر إلى دير الزور، أما بالنسبة للقوات الإيرانية فـ”ترفيقها” بالطيران يستمر قرابة 100 كيلومتر فقط في المنطقة الواصلة بين السخنة وكباجب، على الطريق “M20”.
ورغم انتشار الحواجز التابعة للقوات الإيرانية على كامل الطريق بين السخنة ودير الزور، بمسافة لا تتجاوز خمسة كيلومترات بين الحاجز والآخر، حسبما قال ياسر، فإنها لم تُستهدف بعمليات التنظيم ولم تكن مصدر حماية منه.
ولم تقتصر الهجمات التي تنسب لعناصر التنظيم، والتي لم يتبنَّ منها بشكل رسمي سوى بعض الحوادث، على الهجمات العسكرية، إذ يتعرض المدنيون على طريق دير الزور، والبدو القاطنون في المنطقة لهجمات مستمرة دون حماية عسكرية ولا أمنية تذكر.
لا أمان للسكان
توقف قاسم (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) عن قيادة شاحنته المتوسطة لنقل البضائع من حمص إلى دير الزور، لأن الطريق أصبح “خطرًا”، حسب رأيه، مشيرًا إلى أن دوريات حماية الطيران العسكري التي تمشط المنطقة تقتصر على مرة واحدة خلال اليوم، و”الترفيق” مقتصر على قوافل المبيت العسكري، وأما المدنيون فلا يمضي أسبوع إلا وتتعرض سيارتان “على الأقل” للسرقة وقتل أصحابها.
المتهم، حسب تقدير قاسم، ليس محدودًا بالتنظيم، الذي تنسب إليه كل العمليات، لأنه يتبنى هجماته بشكل رسمي، في حين توجد قوات أخرى في المكان، حسب قوله، ملمحًا إلى مسؤولية قوات النظام والإيرانيين عن هجمات السرقة والنهب.
ليس السائق وحده من اتهم قوات النظام بالنهب، فبعد إعلانها عن استعادة المنطقة من سيطرة تنظيم “الدولة”، في آب من عام 2017، بدأت بسرقة منازل سكان المنطقة، وفرضت موافقات أمنية على المدنيين الراغبين بالعودة إلى بيوتهم، حسبما قال نواف الجاسم، أحد أهالي السخنة، لعنب بلدي.
نواف نازح في حمص، لم يعد إلى مدينته رغم “تأمينها”، إذ إنه إضافة إلى “القيود” الأمنية، فإن أغلب سكان المنطقة لم يتمكنوا من العودة حتى الآن لأن الحكومة لم تخدّم المنطقة لا بالكهرباء، ولا الخبز، ولا محطات الوقود، ولا حتى الاتصالات.
لكن عددًا من البدو استطاعوا العودة إلى المنطقة بسبب حاجتهم إلى المراعي، ولاعتيادهم على العيش في البادية دون الخدمات المدنية، إلا أنهم أصبحوا هدفًا لكل القوى الموجودة في المنطقة، إذ قل ما يمضي شهر دون أن يقتَل أحدهم، أو تسرَق بعض أغنامهم.
وقال راكان، أحد سكان السخنة، (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية) لعنب بلدي، إن الخطر في المنطقة “كبير”، ودائمًا ما تحصل عمليات سطو مسلح، ليلًا أو نهارًا.
وأضاف راكان أن الرعاة مستهدفون في حقول الرعي، حيث تعرض الكثيرون للقتل وسُرقت قطعانهم، وهناك من داهمهم مجهولون ليلًا وسرقوهم، وكانت أحدث تلك الحالات قبل شهر، حين داهم مسلحون أحد أقرباء الشاب في الليل، وسرقوا منه 800 رأس غنم.
ويحمّل راكان المسؤولية بالدرجة الأولى لميليشيا “الدفاع الوطني” وأمن “الفرقة الرابعة”، فهم الوحيدون الذين يمتلكون آليات كبيرة بما يكفي لنقل الأغنام ولا يستطيع أحد مساءلتهم.
وأشار إلى تعرض بعض الرعاة للخطر بسبب كثرة انتشار الألغام التي خلّفها التنظيم، أو التي تزرعها قوات النظام من جديد.
رغم نقص الخدمات في المدينة، فإنها تضم مخفرًا للشرطة، قال أحد عناصره لعنب بلدي، (فضل عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية)، إن قوات الشرطة في المنطقة لا تملك عتادًا ثقيلًا، وعدد العناصر المفرزين فيها لا يتجاوز 20 عنصرًا.
برأي الشرطي، فإن حوادث الاعتداء وحالات السرقة والقتل يقف وراءها إما عناصر التنظيم وإما القوات الرديفة للجيش الموجودة في المنطقة، وفي حالات استثنائية يسرق البدو بعضهم بعضًا.
وأضاف الشرطي أن عمل الشرطة يقتصر على كتابة ضبط السرقة، دون القدرة على فتح التحقيقات، لعدم تجاوب القوات الأمنية، التي تركز على مكافحة التنظيم.