الرقة – حسام العمر
حاملاً محصوله من الذرة في مقطورة جراره، اتجه محمد نحو “المجفف”، الذي يقع في الأطراف الشمالية لمدينة الرقة، ليورد ما أنتجته له أرضه بعد موسم كثرت فيه التكاليف.
محمد العلي، المزارع البالغ من العمر 50 عامًا من قرية حزيمة في ريف الرقة الشمالي، تحمل تكاليف شراء البذار والسماد وأجرة اليد العاملة في أرضه، وحصل على محصول “جيد” هذا العام، ويرى أن تفعيل “مجفف الذرة” هو أمر جيد للفلاحين، ويخفف أعباء التجفيف عليهم، ويبعدهم “بعض الشيء” عن احتكار التجار واستغلالهم.
تسعيرة تعتمد على الجفاف
حددت “الإدارة الذاتية” تسعيرة 425 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد لشراء الذرة، لكنها أعطت المجال لاختلاف السعر تبعًا لنقاء الذرة ولنسبة الرطوبة التي قد تصل أحيانًا إلى 35%، لينخفض السعر تبعًا لارتفاعها، بحسب ما قاله أحد الإداريين في “المجفف”، تحفظ على ذكر اسمه لعدم امتلاكه تصريحًا بالحديث إلى عنب بلدي.
عبد الرحمن العلو (40 عامًا)، الفلاح الذي يزرع الذرة في ريف الرقة الغربي، تحدث إلى عنب بلدي عن هذه الزراعة قائلًا، إن تكلفة زراعة الدونم الواحد وصلت إلى 170 ألف ليرة سورية خلال الموسم الحالي، تتضمن البذار والسماد وتكلفة سقاية المحصول، بينما تراوح إنتاج الدونم بين 600 و900 كيلوغرام.
وعن طرق توريد المحصول قال عبد الرحمن، إنه يتم توريده إما للتجار وإما “لمجفف الذرة” التابع لـ”لجنة الزراعة والري بمجلس الرقة المدني”، ويرى أن التسعيرة “المتقلبة”، التي تنتهي عند 425 وتتأثر بجودة المحصول، تثقل كاهل الفلاحين، على حد تعبيره.
و”مجفف الذرة” هو أحد مستودعات المحاصيل في الرقة، ويحوي خطًا آليًا للتجفيف، وكان متوقفًا عن العمل مدة سبع سنوات خلال الحرب، قبل إعادة تأهيله لتسلّم المحصول من الفلاحين وتخزينه أو توريده لمعامل زيت الذرة الموجودة في كل من الحسكة والقامشلي.
ويخضع سعر تسلّم “المجفف” للمحصول من المزارعين لنظام تقييم الدرجات المرتبط بجودة المحصول، بينما يصر التجار على تسلّمه مجففًا وبسعر 400 ليرة للكيلوغرام الواحد.
يفحص العاملون في “المجفف” الذرة المسلمة من قبل الفلاح لتحديد درجتها، ليتم لاحقًا تحديد السعر من قبل شركة “التطوير الزراعي” التابعة لـ”مجلس الرقة المدني”، والتي تسلم الفلاحين قيمة محاصيلهم.
وبرأي الإداري فإن “المجفف”، الذي يتسلّم 650 طنًا يوميًا، هوّن على الفلاحين تجفيف محصولهم، بعد أن كانوا يلجؤون لنشره على الطرقات وفي الساحات العامة لتجفيفه بشكل بدائي على أشعة الشمس.
“استغلال” لبطء التسليم
اشتكى عبد الرحمن من تقلب سعر الذرة، “لدي الكثير من أقربائي الفلاحين، والجميع أكدوا لي تباين الأسعار عند تسليم محصولهم للمجفف، إذ وصل السعر أحيانًا إلى 350 ليرة “بحجة الرطوبة أو النقاء”.
وأضاف المزارع أن التجار في الرقة لا يلتزمون بسعر “الإدارة”، لكن يضطر بعض الفلاحين للتعامل معهم بدل التعامل مع “المجفف”، للاستفادة من سرعة التسليم وتسلّم قيمة المحصول بالوقت ذاته.
تستغرق فواتير “المجفف” شهرًا في بعض الأحيان، ويرى عبد الرحمن أن التجار يستغلون بطء تسلّم المحصول “للتلاعب بالسعر”، مع رفضهم شراء الذرة إلا وهي جافة.
ويكون توريد المحصول من قبل المزارعين لـ”المجفف” عن طريق توزيع “بطاقة المنشأ” التي تحدد موعد تسلّم الذرة، ويكون ذلك بالتنسيق مع الوحدات “الإرشادية الزراعية” المنتشرة في أرياف الرقة، حسبما قال الإداري، مؤكدًا البطء بعملية التسلّم “بسبب عدم التزام الفلاحين بالوقت المحدد”.
رصدت عنب بلدي آراء بعض تجار المحاصيل الزراعية في سوق “الماكف” بالأطراف الشمالية للرقة، الذين نفوا أن يكون تحديد السعر وطلب التجفيف “استغلالًا” للفلاحين، وأكد التاجر رجب هنداوي (50 عامًا) أن تلك الشروط “تتناسب مع الانخفاض المتزايد في قيمة الليرة السورية”.
ويحتل محصول الذرة المرتبة الثالثة في أهم المحاصيل الزراعية بالرقة بعد كل من القمح والقطن، ويستخدم كأعلاف للدواجن، إضافة إلى استخدامه في المعجنات وأنواع من الخبز، وينتج منه الزيت النباتي.
والذرة من المحاصيل القصيرة الموسم، التي تنتشر زراعتها بشكل ملحوظ في الأراضي المروية، وتتراوح مدة زراعتها بين ثلاثة وأربعة أشهر، وتختلف نوعيتها مع اختلاف نوع التربة الزراعية، وافتقرت الرقة طوال الفترة الماضية لإحصائيات دقيقة تتحدث عن المساحات المزروعة أو حتى كمية الانتاج.