مرضى الناعور في إدلب مغيّبون بأوجاعهم.. الدواء خلف الحدود

  • 2020/12/27
  • 9:29 ص

أحد المراكز الصحية في إدلب (مديرية الصحة إدلب)

عنب بلدي – ديانا رحيمة

“أنا اليوم طريح الفراش لغياب العلاج وارتفاع تكلفته، الأمر الذي يعوق حركتي كليًا،  ولا أملك سوى أن أنتظر زوال النزيف من تلقاء نفسه، والذي قد يسبب تآكل بقية مفاصلي، إذا تكرر دون الحصول على العلاج”.

يعبر عبد الرحمن شيخ ديب (26 عامًا)، من مدينة سراقب بريف إدلب، عن معاناته مع شقيقه سعد، المصابين بمرض الناعور، والمنقطع عن العلاج لمدة ست سنوات (بين عامي 2011 و2017)، بعدما عمّم النظام السوري اسمه مع شقيقه في مدينة إدلب، بينما لا يتوفر العلاج إلا في المستشفيات الحكومية.

ولا تتوقف معاناة عبد الرحمن عند النزيف الحالي، فحتى حركته الطبيعية محدودة جدًا، بحسب ما قاله لعنب بلدي، لأن مفاصله في حالة وهن دائم، لكثرة النزيف المستمر الذي تسبب بتآكل المفصل.

ما الناعور
الناعور مرض وراثي مرتبط بالجنس، يحدث نتيجة وجود اضطراب في المورثات المسؤولة عن تصنيع عوامل التخثر في الدم، ما يؤدي إلى نقص أو غياب أحد عوامل التخثر (الثامن أو التاسع أو الـ11).وتكون هذه المورثات موجودة على الصبغي الجنسي إكس، ولأن الذكر لا يملك سوى صبغي جنسي إكس واحد (الثاني واي) لذلك فإن الناعور يصيب الذكور، بينما تملك الأنثى صبغيي إكس، فإذا كان أحدهما يحمل مورثات المرض فإن الصبغي الثاني السليم سيمنع ظهوره، وبذلك فالأنثى تحمل المرض وتنقله لأبنائها، ومن النادر جدًا أن تكون الأنثى مصابة حين يكون صبغيي إكس لديها يحملان مورثات المرض.وقد كانت الملكة فكتوريا ملكة إنجلترا حاملة للمرض، ونقلته إلى ابنها و بناتها اللواتي نقلنه إلى العوائل الحاكمة عبر القارات، ومنها الأسر الحاكمة في إسبانيا وألمانيا وروسيا، ولهذا فقد اشتهر مرض الناعور وسمي بـ“المرض الملكي”.

الدواء خلف الحدود

تعرض عبد الرحمن، في عام 2017، لحادث سير نقل إثره إلى تركيا،  وأجريت له عملية تبديل مفصل  في مستشفى تركي حكومي، لتهشّم المفصل إثر النزيف المتكرر سابقًا، ثم عاد بعدها إلى إدلب، لتعود رحلة المعاناة مجددًا في تحمل الألم دون علاج في سوريا، ويزداد سوء حالته مع عدم وجود من يهتم به في أثناء تدهور حالته الصحية بعد العملية في تركيا.

ودخل علاج مرض الناعور إلى المستشفيات المركزية في إدلب عن طريق منظمة “Direct Relief” على دفعتين فقط، في 2018، وتوفر حينها في مستشفيي “المحافظة” و”معرة النعمان المركزي”.

وتوجد بعض الإبر في الصيدليات بشكل نادر دون معرفة الجهة المرسلة، ويتراوح سعرها بين 30 و40 دولارًا أمريكيًا.

قدم عبد الرحمن تسعة طلبات إحالة طبية إلى معبر “باب الهوى” للدخول إلى تركيا، خلال وجود لجنة تركية، قوبلت بالرفض، في أثناء إصابته بوعكة صحية لحدوث نزيف داخلي وخارجي في منطقة الذقن، وبقي في مستشفى “اعزاز” لمدة ستة أيام دون أي فائدة.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع مديرية الصحة في إدلب للحصول على إحصائيات أو معلومات عن نقص العلاج، ولم تحصل على رد.

ما من حلول

المدير الإقليمي لمكتب “المنظمة الطبية السورية- الأمريكية” (سامز) في الشمال السوري، مازن كوارة، قال إن المنظمة استطاعت عام 2018 تأمين العلاج لمرضى الناعور، بالتنسيق مع منظمة “Direct Relief” من خلال تبرع عيني منها، ووزع العلاج في مستشفى “إدلب المركزي”.

ولكن “سامز” لا تستطيع تأمينه إلا في حال وجود الجهة المانحة التي تقدم الدعم الدوائي.

وتقدم “سامز” لمرضى الناعور، والمرضى عمومًا، المستلزمات الطبية من الأمور الطبية البسيطة، كالضمادات والأدوات المساعدة على الحركة، والتي يستخدمها المرضى في حالة نزيف المفصل لصعوبة الحركة،  كالعكازات والكراسي المتحركة.

وقال الصيدلاني أحمد المصطفى، الذي يعمل في صيدلية “آية” الخيرية في إدلب (إحدى الصيدليات القليلة التي توفر العلاج)، “بعد نفاد كميات العلاج المحدودة من المراكز الصحية بدأنا نفكر في حلول بديلة، فتواصلنا مع مرضى الناعور من خارج سوريا ليتبرعوا لنا بالدواء، وأصبحنا نؤمّن مابين 60 و70 حقنة شهريًا من العلاج، ولكن الكمية لا تكاد تذكر أمام الحالات الموجودة في المنطقة، وخاصة لدى الأطفال”.

كما يحتاج مرضى الدم المصابون بالأورام، كالسرطان وغيرها، في علاجهم إلى العامل الثامن المسؤول عن التخثر (ما يتقاطع مع حاجة مرضى الناعور)، وفي حالات العمليات الجراحية يحتاج المريض العادي (غير المصاب بالناعور) بين 20 و30 حقنة خلال العملية لإيقاف النزيف، لذلك فإن الكمية الواردة من الخارج لا تغطي ربع الحاجة المطلوبة.

ويصرف الدواء في الصيدلية حصرًا للحالات الإسعافية، أي عند وصول المريض إلى المستشفى في حالة النزيف فقط.

وقال الطبيب المختص بأمراض الدم أيهم جمو، الموجود في إدلب، إن مرضى الناعور يعانون من نقص الدواء لعدم توفر العلاج في المستشفيات أو المراكز الصحية، فيستخدمون البلازما الطازجة المجمدة كحل بديل.

والبلازما هي الجزئية السائلة من الدم، وتُحفظ وتُخزن بعد التبرع بالدم، وتحتوي على بروتينات حيوية، تعرف بما يسمى عوامل التخثر، وتساعد عوامل التخثر هذه في السيطرة على النزيف.

حالات دون مساعدة

عمران مواس (25 عامًا) مصاب بالناعور مع إخوته حسن (27عامًا) ومحمد (23عامًا)، ويعيش في المخيم “القطري” بدير حسان، يعاني من تكلسات في ساقه ويده اليسرى، من كثرة الكدمات والنزيف الداخلي، خاصة بعد حادث تعرض له في عام 2018.

وعند توفر الدواء عام 2018 في صيدلية “آية” الخيرية، لم يحصل عليه لنفاد الكمية.

وعلى الرغم من وجود ثلاثة مصابين بالناعور في نفس المنزل،  قوبل طلب عمران للأدوات المساعدة على المشي، كالعكاز أو الكرسي المتحرك، بالرفض لنفاد الكمية، من مستشفيات وجهات محلية.

ويبلغ عدد المصابين بمرض الناعور في كل أنحاء سوريا 907 مصابين، موزعين بين 814 مصابًا بالنوع الشديد “A”، و93 مصابًا بالنوع “B”، بحسب أحدث تقرير للمنظمة العالمية للهيموفيليا (الناعور) لعام 2019.

أنواع مرض الناعور

يقسم الناعور، بحسب عامل التخثر الناقص، إلى ثلاثة أنواع:

الناعور “A”: ينجم عن نقص العامل الثامن، وهو الأكثر شيوعًا، حيث يمثل 80% من مجموع الحالات المصابة، لذلك يسمى الناعور الكلاسيكي، يصيب الذكور فقط، ومن أهم أعراضه النزف المتكرر من دون سبب أو مرض واضح.

الناعور “B”: ينجم عن نقص العامل التاسع، ويمثل 15% من مجموع الحالات المصابة، ومن أهم أعراضه النزف المستمر نتيجة إصابات بسيطة.

الناعور “C”: ينجم عن نقص العامل الـ11، وراثته لا ترتبط بالجنس، ولذلك فهو يصيب الذكور والإناث على حد سواء، إلا أنه نادر جدًا.

ويكون لدى مرضى كل نوع من الناعور مستوى معيّن من عامل التخثر، فعندما يكون عامل التخثر أقل من 1% تصنف الحالة بالشديدة، وفي حال كان من 1-5% تصنف هذه الحالة بالمتوسطة، أما عندما يكون عامل التخثر بين 5-40% فتصنف الحالة بالمعتدلة أو الخفيفة.

كيف تجري المعالجة؟

عند حدوث نزف خارجي لا تخيط الجروح وإنما تربط بأربطة ضاغطة وتوضع عليها كمادات باردة لوقف النزف، وعندما يكون النزف في المفاصل يُنصح بالراحة التامة في الفراش وعدم تحريك المفصل، واستخدام كمادات الثلج على المفصل، مع أخذ مسكنات الألم.

وعلى الرغم من أنه لا يوجد علاج لمرض الناعور، يمكن السيطرة عليه بالحقن العادية لعامل التخثر الناقص، أي العامل الثامن في الناعور “A” أو العامل التاسع في الناعور “B”، ويعطى عامل التخثر المناسب عن طريق الوريد كل 12 ساعة لمدة يومين أو ثلاثة أيام ليساعد الدم على التخثر.

ويمكن اللجوء إلى العلاج الوقائي عن طريق حقن الطفل المريض كل 48 ساعة بعوامل التخثر، ورغم أنه مكلف أكثر من العلاج بالبلازما، فإنه يفيد في الحفاظ على المفاصل والعضلات في حالتها الطبيعية حتى لا تحدث أي إعاقة للطفل.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع