عنب بلدي – ريف حلب
بكت سناء حين سمعت الشتيمة، ولم تجد وجهة للشكوى سوى حضن أمها، “نفي الشرف والنخوة” أكثر ما تضمنته تعليقات من سمعوا بانضمامها، مع سيدة أخرى، إلى مجلس قباسين المحلي، “في البداية رفضوا وجود النساء في المجالس. ماذا سيقدمن؟ ماذا سيفعلن؟ إذا لم نقدر نحنا الرجال بشواربنا ومناصبنا على العمل، هل ستأتي امرأة لتغيير القوانين والحياة. هجمة كبيرة واجهناها عند تعييننا”، قالت السيدة الثلاثينة لعنب بلدي.
في ريف حلب الشمالي، الذي وقع تحت الإدارة التركية، بعد هزيمة قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” قبل ثلاثة أعوام، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قبل عامين، أعادت المدن والبلدات تشكيل مجالسها المحلية مخصصة مقعدًا أو اثنين للنساء، بدعوة للترشح أو التسجيل للمشاركة “كسرت العادات والتقاليد” للمجتمعات المحافظة.
ماذا ستفعل المرأة؟
لبّت سناء الجاسم، خريجة الأدب الفرنسي، دعوة المجلس المحلي في قباسين للترشح والانضمام، في شباط من عام 2018، ورغم وعيها لنظرة مجتمعها الريفي للمشاركة النسائية العامة جرحتها الإهانات، دون أن تتمكن من إيقافها، “حين تعمل على تطوير نفسك لتتحمل المسؤولية التي أوكلت إليك، ستتمكن من تغيير النظرة التي وُجهت إليك”، قالت بثقة عضو المجلس المسؤولة عن غرفة الصناعة والتجارة ومكتب التراخيص ومكتب الشكاوى.
تسود في المجتمعات الريفية السورية نظرة ترمي المرأة بالقصور وتربطها بـ”العيب” و”الحرام”، بغض النظر عن كفاءاتها ومهاراتها، وعند ارتباط الدعم الخارجي للمجالس والمنظمات والمؤسسات، في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، بإتاحة الفرص أمام المشاركة النسائية، أُضيفت تهمة “عدم الاستحقاق” إلى النساء الفاعلات.
وضعت سناء نصب عينيها النجاح في مهمتها، وعملت على “تطوير قدراتها”، من خلال المشاركة في الدورات من “تنمية المهارات وإدارة المشاريع”، وحتى “أنظمة الحكم والدساتير”، كما قالت لعنب بلدي، وأضافت “يجب أن أرعى المجتمع الذي أنا بتماس معه وهو بحاجة إلى وجود إدارة تتحمل مسؤوليته وتدير شؤونه”.
بنشاطات تطوعية تجمع سناء فريقًا يضم نازحين ومقيمين في بلدتها، تساعده عبر التدريبات لإثبات جدارته والإسهام في اتخاذ القرارات، إضافة إلى مشاركتها بـ”شبكة الحماية”، التي تساعد “الأشد ضعفًا” في المنطقة.
لا شيء يمنع المرأة من تسلّم أعلى المناصب ما دامت تملك الكفاءة والمهارة، حسب رأي سناء، مشيرة إلى أن ارتفاع المنصب يعني تطلبه شروطًا نوعية أعلى، “حين تنمي المرأة مهاراتها تتمكن من تسلّم أي منصب وبجدارة، وستنال احترام المجتمع وخاصة الجنس الآخر”.
لا تعتقد سناء أن تغيير مفاهيم المجتمع أمر سهل، لكنها شهدت على تغيير في بلدتها ما بين الدورة الأولى التي شاركت بها، والدورة الثانية التي شهدت “إقبالًا من النساء للمشاركة”، ونجحت فيها بالبقاء عضوًا في المجلس مدة عامين آخرين فيما اعتبرته “حصادًا” لجهدها التي أتاح لها التأهل مجددًا.
مواجهة المجتمع بعد مواجهة تنظيم “الدولة”
حين رُفع اسم كوثر بالتزكية للمشاركة بالمجلس المحلي في مدينة الباب، لم تكن الفتاة ذات الـ24 عامًا قد عملت بالمجال الإداري سابقًا.
درست كوثر قشقوش الشريعة في حلب قبل أن تشغلها المشاركة بالمظاهرات وتعرضها للملاحقة عن المتابعة عام 2013، أسهمت بالتعليم في مدينتها قبل دخول قوات تنظيم “الدولة الإسلامية” إليها، ما حوّلها إلى النشاط التوثيقي لما ارتكبه من انتهاكات.
عادت إلى التعليم بعد هزيمة التنظيم، إلا أن ترشيح اسمها عند تشكيل المجلس المحلي وجهها نحو المكتب القانوني، “كلنا نعلم الصورة النمطية لدى المجتمع المحافظ في الباب، الذي يرفض مشاركة المرأة في المؤسسات الحكومية. استشرتُ أهلي ولم يعارضوني ولذلك وافقت”، كما قالت لعنب بلدي.
“كسر الحاجز” هو مهمة أولى المشارِكات من النساء في المجالس المحلية، لأن مواجهة العادات والتقاليد والأعراف تأتي ضمن حزمة الترشح للمنصب، “لدينا صورة سلبية جدًا عن المرأة بأنها لا تصلح سوى للطبخ والزوج والبيت”، قالت كوثر باستنكار.
برأي كوثر فإن الثورة فرضت الإسهام الفاعل للمرأة، لأن المجتمع أصبح بحاجة إليها لتساند عائلتها ولتكون المربية ولتتحمل مسؤوليات لم تكن مفروضة عليها قبل خسارات الحرب، من الاضطرار للعمل وإثبات شخصيتها في بيئة أُجبرت على تغيير نظرتها للمشاركة النسائية.
لا يوجد ما يمنع المرأة من تسلّم الأدوار القيادية، عند توفر القدرة والاستطاعة والخبرة، كما قالت كوثر، مشيرة إلى طموحها بالتطور الذي يعتبر “تحديًا” لها بأن ترفع مستوى المرأة اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، مع العمل بشكل توعوي وإرشادي لدعم كل من تملك الطموح للتقدم.
إن لم يكن المجتمع رحيمًا هل الانسحاب واجب؟
أُقيمت في تشرين الأول الماضي الانتخابات الأولى في ريف حلب الشمالي لتعيين أعضاء المجلس المحلي في بلدة تل عار، على خلاف عادة الترشيح والتعيين من الإدارة التركية، ومع تقدم عشرة مرشحين لإقناع السكان بانتقائهم، انسحبت المشارِكة الوحيدة قبل بدء الانتخابات بسبب “العادات والتقاليد”، كما قالت مسؤولة المراقبة والتقييم في “وحدة المجالس المحلية”، أسماء المحمود، لعنب بلدي
برأي أسماء فإن إسهام المرأة “فاعل” في مناطق ريف حلب الشمالي، رغم حصر مشاركتها بنسبة 10% من مجموع أعضاء المجالس المحلية، وحصر دورها غالبًا بـ”مكتب المرأة” أو المكتب القانوني، وقالت “تتعرض النساء للتنمر والخطر المجتمعي، ولكنها تستمر رغم كل شيء، لأن لديها ما تريد إيصاله وتريد بناء كيانها بالشأن العام والسياسي”.
ما تحتاج إليه المرأة لزيادة مشاركتها في صناعة القرار، هو دورة توعية للمجتمع لتقبل النساء، ودورة توعية للنساء لتقبل المشاركة والتقدم إلى المجالس المحلية، حسب اعتقاد الفتاة العشرينية، التي أشارت إلى أن العديد من السيدات اللواتي يمتلكن الكفاءة لا يقربن العمل المجتمعي بسبب “التابوهات” والمحظورات المجتمعية.
كوثر لم تلم السيدة التي انسحبت من انتخابات تل عار، معتبرة أن المجتمع بحاجة إلى التوعية بضرورة المشاركة النسائية إما عن طريق الإعلام وإما عن طريق الدورات التدريبية.
إلا أن سناء رأت أن اللوم يجب أن يوجه للسيدة المنسحبة لأنها إن أرادت تغيير نظرة المجتمع فعليها تحديه، مشيرة إلى أن وصولها إلى الترشيح يعني وجود معايير تسمح بمشاركتها، “لكن لا بد من توفر الحاضنة من أهل وأصدقاء مقربين”، كما قالت.
وأضافت سناء أن دعم والدتها المستمر هو ما مدها بالقوة للاستمرار طوال السنوات الثلاث التي عملت بها، “تقول لي أنا سندك أنا الجبل الذي يحميك، لا تخافي أنت ابنتي وأنا أعرف ما لديك. انطلقي”.