مهمة صعبة يؤديها “الدفاع المدني” لمواجهة “كورونا” في الشمال

  • 2020/10/25
  • 11:00 ص

متطوعو الدفاع المدني يحملون متوفي بفيروس كورونا، 16 من تشرين الأول 2020 (الدفاع المدني)

عنب بلدي – خولة حفظي

يعمل متطوعو “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) في خط التماس الأول مع مصابي أو ضحايا فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) في أجزاء واسعة من الشمال السوري.

مع تزايد عدد المصابين بالفيروس، وتزايد عدد ضحاياه في الشمال السوري، تبدو مهمة “الدفاع المدني” غير سهلة، لا سيما أنها تضاف إلى مهام أخرى يضطلعون بها، ومن بينها إنقاذ ضحايا القصف والغارات الجوية، التي عادت مجددًا إلى الشمال السوري، إضافة إلى مهام أخرى.

عنب بلدي تواصلت مع عناصر في “الدفاع المدني” يعملون في الشمال السوري، للوقوف على مهامهم في التعامل مع مصابي وضحايا “كورونا” وآلية العمل المتبعة، لا سيما أن لديهم عائلات أيضًا، ما يحمّلهم مسؤولية إضافية.

لا تخلو من مشاعر

ترافق مشاعر “الحزن والألم” المتطوع في “الدفاع المدني” يحيى القبلاوي، عند نقل أي ضحية في أثناء مزاولته عمله بمركز الباب في ريف حلب، شمالي سوريا، كما قال في حديثه إلى عنب بلدي.

وأضاف المتطوع في “الدفاع المدني”، “لا شك أن مشاعر الحزن عند الموت موجودة لدى الجميع، ولكن تعاقب مشاهد الأشلاء والموتى في أثناء الحرب تجعل تأثير تلك المشاعر أقوى لدى عناصر الدفاع المدني”.

وتابع الشاب العشريني، “ما إن نبدأ عملية الدفن حتى يخيل لي أنه لو باستطاعي العودة إلى الماضي مع المتوفين وتذكيرهم أن طرق الوقاية والأخذ بالأسباب كانت لتنقذهم، لأقول لهم أن يأخذوا حذرهم من شدة فتك الفيروس بالإنسان وسلبه روحه منه”.

وأردف، “مشاعر القلق والحذر لا تفارقني، بدءًا من تسلّم الجثة حتى إنزالها ورمي التراب، أخاف أن أنقل العدوى لأبي وأمي اللذين أقيم معهما في ذات المنزل وهما طاعنان في السن، نتيجة الاختلاط الكامل مع المصابين في عملية الدفن، ونقلنا الحالات المشتبه بها والميتة ودفنها”.

وتحدث يحيى عن أخذ “الاحتياطات الكاملة” عند العودة إلى المنزل، بدءًا من غسل كامل الملابس وغسل الجسم عند نقل الجثث وحرق ملابس الدفن بعد انتهائه.

ورغم تلك الإجراءات، فإن الخوف يجد طريقًا له، كما عبّر المتطوع يحيى، وأضاف حول الإجراءات المتبعة في حال ظهور أي أعراض، “عند شعورنا بوعكة صحية، نأخذ مسحة مباشرة ونعزل أنفسنا ولا نذهب إلى المنزل، خوفًا من أن نكون قد أخذنا المرض”.

رهبة الموت

يعيش المتطوع في “الدفاع المدني” حسام مديراتي مع زملائه في مركز “بليون” بجبل الزاوية جنوبي إدلب، “حالة خاصة، ومزيجًا مختلطًا من المشاعر المتناقضة يوميًا” خلال تعامله مع مصابي وضحايا “كورونا”.

وأوضح حسام أن “خطورة الفيروس لا تقل عن خطورة القصف والغارات بل إنها مضاعفة، بوجود احتمالية انتقال العدوى لنا كأشخاص عاملين على الأرض وعلى تماس مباشر مع المرضى”.

وعن دفن ضحايا الفيروس في الشمال السوري، قال، “تتعدد الأسباب والموت واحد، ورهبة الموت موجودة لدى الجميع، ولكني ومن خلال عملي سابقًا ضمن فرق الإنقاذ والإسعاف والإخلاء، اجتزت تلك المرحلة مع كثرة حالات الاستهداف ورؤية الأشلاء، خصوصًا ضحايا المجازر”.

الدفن بعيدًا عن وداع الأهل

تقضي تعليمات “الدفاع المدني” بمنع الاقتراب من المتوفى بفيروس “كورونا” والمصاب به، باستثناء العناصر ممن يرتدون الملابس الواقية، ما يضع متطوعي المنظمة في مواقف “مؤثرة”، كما قال يحيى القبلاوي.

وأضاف المتطوع أنه تعامل مع جثة امرأة خمسينية توفيت بالفيروس، وكانت أمًا لشباب وبنات، وطلبوا من “الدفاع المدني” توديع والدتهم بالتابوت، لا سيما بناتها، وقالوا “دعونا نلتقط الفيروس ولكن نريد توديع أمنا، دعونا نودعها قبل أن تصبح تحت التراب”، وسط موجة بكاء انتابت الجميع، بمن فيهم عناصر “الدفاع المدني”، “لهول الموقف وصعوبته”.

وعن عمليات الدفن، تحدث المتطوع يحيى القبلاوي، “بعد إخبارنا من الجهات الطبية بموت أحد الأشخاص، نحضر الجثة إلى مكان الدفن”، مضيفًا أن الأعمال ازدادت في الشهر الأخير في منطقة الباب، وأنهم يدفنون في المتوسط “خمس حالات لمصابين أو مشتبه بإصابتهم بالفيروس يوميًا”.

أسلوب الوقاية مضاعف

يؤثر التعامل اليومي مع مصابي أو ضحايا “كورونا” على الحياة اليومية لمتطوعي “الدفاع المدني” مع عائلاتهم وأسرهم داخل المنزل.

المتطوع في مركز “الباب” خالد الكرز، وهو رب أسرة ولديه ثلاثة أطفال، قال لعنب بلدي، “أحاول داخل المنزل عدم التأثير على أهلي وأولادي، ودب مشاعر الخوف من احتمالية أن أحمل المرض أو إمكانية نقله إليهم، كي لا يخشوا التعامل معي، فآخذ الاحتياطات كافة حرصًا على أطفالي من نقل العدوى، وخوفًا من نفورهم مني”.

وأضاف، “أطفالي لديهم كمامات، وأحاول تنبيههم وتوعيتهم نتيجة تعاملي مع الموتى باستمرار خشية فقدانهم، وأسلوب الوقاية والتعقيم في البيت عالٍ جدًا حتى مع استخدامنا وسائل التعقيم والمطهرات”.

فريق متخصص بالدفن وأماكن مخصصة

يتخذ “الدفاع المدني” إجراءات وقائية لدفن ضحايا فيروس “كورونا”، مؤكدًا وجود “توعية للفرق المختصة من الدفاع المدني حول الفيروس ومخاطره وطرق انتشاره وطريقة الوقاية منه وطريقة ارتداء اللباس العازل بشكل صحيح”.

وأشار المكتب الإعلامي في “الدفاع المدني” لعنب بلدي، إلى أنه بعد الانتهاء من التعريف بالفيروس والتوعية، بدأ بتدريب العناصر على التعامل مع جثث ضحايا الفيروس، بالتزامن مع تدريبات مشتركة بين مديريات الصحة ومكاتب دفن الموتى.

ونفى المكتب وجود صعوبات في ظل أخذ الاحتياطات ووجود اللباس والفرق المدربة، موضحًا عدم وجود عدد مخصص للمتطوعين المختصين بالدفن، بل يوجد في كل مركز لـ”الدفاع المدني” فريق مختص بدفن الضحايا، إضافة إلى 32 مركزًا مخصصًا بشكل مباشرة للاستجابة لـ”كورونا”، سواء في أثناء نقل المصابين والضحايا أو دفنهم أو ما شابه ذلك.

وأشار إلى أن الفريق الذي يكون في المركز يدفن ضحايا الفيروس مع أخذ جميع الإجراءات الوقائية من لباس وغيره، وبالتنسيق مع مديريات الصحة.

كما تتوفر أماكن مخصصة لدفن الوفيات بفيروس “كورونا” في أماكن عدة، و”حتى في المناطق التي لا تتوفر فيها أماكن مخصصة لدفن الوفيات بالفيروس، نتخذ الإجراءات الكاملة من حيث العمق وطريقة الدفن لتجنب أي آثار محتملة”، بحسب المكتب الإعلامي.

تدريبات قبل وصول الفيروس إلى الشمال

انطلقت التدريبات حول الفيروس ومخاطره وطرق الوقاية منه قبل وصول الفيروس إلى الشمال السوري، إذ بدأت الفرق بالإجراءات الوقائية وتوعية المدنيين، في 18 من آذار الماضي، بينما لم تسجل الإصابة الأولى إلا في 9 من تموز الماضي.

وشملت تدريبات التعامل مع الفيروس جميع المتطوعين، مع التركيز على فرق الاستجابة المخصصة في المراكز الـ32 الموزعة على كامل مناطق الشمال السوري.

ويؤكد “الدفاع المدني” أنه يتابع بشكل مستمر التطورات المتعلقة بالفيروس وطرق انتشاره والوقاية منه، “لنكون على اطلاع تام بالمستجدات، وننقلها فورًا إلى المتطوعين الذين باتوا من أهم مصادر التوعية للمدنيين في الشمال السوري حول الفيروس”.

مقالات متعلقة

منظمات مجتمع مدني

المزيد من منظمات مجتمع مدني