ريف حلب – عبد السلام مجعان
“من دون علاج لها، تواجه نور مشاكل كثيرة في حياتها”، بدأ أحمد الحسن حديثه عن حالة ابنته الرضيعة التي عانت خلال شهورها الخمسة ألمًا مستمرًا دون علاج ناجح.
يعاني سكان شمال غربي سوريا من نقص في الخدمات الطبية ترك عافيتهم رهنًا لقبول الجانب التركي استقبالهم للحصول على العلاج، الذي كان فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) و”شروط القبول” أكبر عوائقه.
تحصر تركيا قبولها الحالات الطبية بالحالات الإسعافية ومرضى السرطان، في حين لا يجد أصحاب الأمراض المستعصية سبيلًا للعلاج سوى عبر المناشدات وحملات الدعم التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال أصواتهم.
هل من مجيب للنداء؟
لا تستوفي حالة نور الشام الشروط اللازمة للمرور عبر معبر “باب الهوى” للحصول على العلاج في الجانب التركي، لكن والدها لم يفقد الأمل وهو يقدم مناشداته لعلاج ابنته من مرض “القيلة السحائية” (نوع من شلل الحبل الشوكي).
الحالات “الباردة” المستقبلة حاليًا يشكل مرضى السرطان أغلبيتها، بنسبة 95%، وما تبقى من أذون الدخول تقتسمه الأمراض المستعصية التي تشكل خطورة على حياة المريض، كما قال مدير مكتب العلاقات العامة والإعلام في المعبر، مازن علوش، لعنب بلدي، مثل أمراض القلب وحالات الكبد.
والحالات الإسعافية تدخل على مدار الساعة، ولا عدد معينًا لها، وتكون متمثلة بحوادث السير والإصابات الحربية والحروق، وفي حين لا يسمح الجانب التركي بمرور حالات أخرى، ولا يسمح دومًا بمرور المرافقين، فإن المعبر يتتبع الحالات المرضية التي تدخل دون مرافق معها، إضافة إلى تقديم الأدوية ونقل المرضى والترجمة الطبية.
فيروس “كورونا” عطل استقبال المعبر للحالات الصحية مع تعرضه للإغلاق مرات متعددة منذ آذار الماضي، وانخفض عدد الحالات المسموح مرورها من 30 مريضًا باليوم إلى 15، رغم حاجة حالات عديدة للمرور بما يتجاوز الشروط المحددة حسب رأي علوش، مشيرًا إلى أن كل الحالات التي تمر تستحق وتحتاج للوصول فعلًا إلى الخدمات الطبية في تركيا.
وضع نور الشام يزداد سوءًا يومًا تلو آخر، وبعد أن عرضها أحمد على أطباء في المنطقة، وجد أن الخدمات الطبية المقدمة لها مقتصرة على أدوية لتخفيف آلامها مؤقتًا. وهي بحاجة إلى عمل جراحي لاستقرار حالتها الصحية، لذا اتجه لمناشدة السلطات التركية أسوة بحالات إنسانية انتشرت أنباء السماح لها بالعبور بعد أن ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بمعاناتها.
الناشط الإعلامي عبد القادر محمد أكد لعنب بلدي أن إدخال الحالات المزمنة والحرجة إلى تركيا كان في السابق “أمرًا سهلًا”، لكن مع مرور الأيام أصبح الأمر “معقدًا وشديد الصعوبة”، بسبب ما سماه “استغلال” بعض الأشخاص للوضع بإدخالهم أناسًا ليسوا بحاجة للعلاج إلى الأراضي التركية.
وأضاف محمد أن العديد من المناشدات الإنسانية تصل بشكل يومي إلى مواقع التواصل الإجتماعي، وغالبًا ما تحصل على الموافقة للدخول، لكن لا تحظى كل الحالات المحتاجة لتسليط الضوء الذي تستحقه.
ما الخدمات الطبية المفقودة في شمال غربي سوريا؟
لا تملك المنشآت الطبية في شمال غربي سوريا ما يكفي من التجهيزات لعلاج سوى أربعة أنواع من السرطان والأورام، مع افتقارها للقدرة على تنفيذ الجراحات “الكبيرة”، على حد تعبير رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية بمديرية صحة إدلب، الدكتور أنس الدغيم.
ما تفتقر إليه المنشآت الطبية العامة، يتوفر معظمه في المنشآت الخاصة “الباهظة التكاليف”، حسبما قال الدغيم لعنب بلدي، مشيرًا إلى أن بعض المرضى يتجهون لطلب المعونة للعلاج في المنشآت الخاصة حتى إن كان العلاج متوفرًا في المستشفيات العامة.
“لا فرق بين الاثنين (العام والخاص)، لكن هذه عقول البشر”، قال الدغيم، مشيرًا إلى أن الجمعيات والمنظمات والتبرعات العامة والخاصة غالبًا ما تتكفل بعلاج المرضى.
محمد حلاج، مدير “فريق منسقو استجابة سوريا”، قال لعنب بلدي، إن نقص العلاج للأمراض المزمنة ليس بموضوع جديد، فهناك ضعف في إمكانيات القطاع الطبي، وهشاشة في المراكز والنقاط الصحية التي تعرضت للاستهداف مرارًا خلال الحملات العسكرية للنظام السوري وحلفائه على المنطقة.
كما أن ارتفاع أسعار الأدوية يسبب عجزًا في تأمين العلاج المجاني للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة، إضافة إلى نقص الأجهزة الطبية المطلوبة لمساعدتهم.
ووفقًا لتقييم مبادرة “REACH“، الصادر في 20 من تشرين الأول الحالي، حول الحاجات الإنسانية في شمال غربي سوريا، فإن أغلبية المشاكل الصحية التي يعاني منها السكان تتمثل بالأمراض المزمنة، بنسبة 79%، تليها الأمراض الشديدة التي تصيب الأطفال تحت سن الخامسة بنسبة 64%.