بعيدًا عن الرواية الرسمية.. كيف عاشت العاصمة وغوطتها موجة الحر؟

  • 2015/08/09
  • 2:39 ص

حر

حنين النقري

“موجة حرّ تجتاح الشرق الأوسط تحت تأثير المنخفض الموسمي الهندي” هذا ما نقلوه في الأخبار، لكنّ لغة الأخبار المجرّدة لا تتحدث عمّا هو أبعد من ذلك؛ فموجة الحرّ هي من الأمور القليلة التي وحّدت بين السوريين أمام كل ما يفرقهم اليوم، إذ لم تتوقف عند منطقة خاضعة للنظام ولم تعرف الاستسلام لرايات “داعش”.

وأمام كل التجاذبات والشتات الجغرافيّ والفكريّ والنفسيّ الذي يعيشه السوريون اليوم، جمعهم لهيب الصيف رغم اختلاف ظروفهم، فكيف عاشوه في كلّ منطقة؟

العاصمة وأزمة الخدمات

رغم ما يتوقّعه البعض من تأمين النظام للخدمات في العاصمة، ونظرات الضيق والحسد إلى سكانها الذين يعيشون بـ “دلال” لا يقارن مع باقي المحافظات والأرياف، ورغم ما يحاول النظام أن يبثه عبر إعلامه وإعلام الحلفاء من كون دمشق بخير، إلا أن حال أهالي المدينة لا يتوافق مع ما يقوله، ولو وافقوه بألسنتهم على ذلك.

“الشوب من عند الله، بس هي البهدلة من بشار” هذا ما وصفت به السيدة أم العبد (40 عامًا)، وهي من أهالي ريف دمشق ونازحة إلى دمشق منذ ثلاثة أعوام، حال أسرتها، وتقول إن الحرارة لوحدها لا تسبب كل هذه “اللبكة” في حياة الإنسان في بلدان طبيعية، أما في سوريا فقد صار كل شيء رفاهية حتى الكهرباء.

وتكمل “ما نعاني منه اليوم ليس المرتفع والطقس، ولكن انقطاع خدمات الماء والكهرباء، بلدان الخليج تتعرض في غالب شهورها لدرجات حرارة أعلى من هذه، لكن لم نرَ مواطنيها [عم يتبهدلوا] بهذا الشكل”.

وبثت صفحات خاصة بالنظام عبر مواقع التواصل الاجتماعي والجرائد الرسمية العديد من التحذيرات بخصوص الخروج من المنزل في ساعات الظهيرة، لكن الناس ليسوا “فاضيي أشغال” حسب تعبير أم العبد و”لدى كلّ منا مصالح وأعمال يجب القيام بها لا تعرف صيفًا أو حرًّا، فالكلام عن التزام المنازل من العاشرة صباحًا وحتى الرابعة ظهرًا أمر غير منطقي إلا لأبناء الطبقة الرفيعة، أما بالنسبة لنا نحن البسطاء فلا بد أن نتناسى كل التحذيرات والمخاوف ونمشي تحت الشمس”.

الماء “عزيز ونادر”

ولدى سؤالنا لأم العبد عن محاولات تبريد وتخفيف الحرّ في ظل انقطاع الخدمات، أجابت بتنهيدة طويلة “والله لا أعرف، اعتمادنا الأول على المياه كما هو مفترض، لكن الماء اليوم عزيز ونادر إذ تنقطع المياه أحيانًا لأيام ويتبع ذلك طبعًا للمنطقة التي تسكنين فيها، والكهرباء تنقطع 16 ساعة يوميًا”، موضحةً “غالبًا يصدف دور الحي بالمياه والكهرباء مقطوعة فنضطر لتعبئة الزجاجات والجالونات حتى لا يفوتنا”.

أهالي دمشق الذين لم يعتادوا تزامن ارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء على هذا النحو أصبحوا يشاركون شيئًا من همومٍ يعيشها آخرون منذ أعوام في مناطق مجاورة، وعلى غرار السيدة أم العبد تخبرنا الآنسة هدى من سكّان المزة أن أمها باتت تطبخ ليوم واحد لعدم وجود كهرباء لحفظ الطعام كما أن قسمًا كبيرًا من المؤونة تلف لطول ساعات التقنين، بالإضافة إلى صعوبة تشغيل المولدات المنزلية في النهار لمخاطر احتراقها إلى جانب ارتفاع أسعار المحروقات.

لكنها تتدارك ذلك بقولها “نؤجل نشاطاتنا لما بعد العصر، اليوم ترين المتنزهات والحدائق مليئة بالناس، من يمكنه الذهاب إلى المسابح والمتنزهات المدفوعة لا يتوانى، والناس البسطاء يسهرون في الحدائق العامة، تحت كل شجرة وفوق كلّ شبر عشب ستجدين عائلة هاربة من حرارة منزلها”.

الغوطة الشرقية.. ما الجديد؟

وغير بعيد عن دمشق مكانيًا، يعيش سكّان الغوطة الشرقية المحاصرة موجة الحرّ بشكل آخر لا يشبه ما قاله سكّان العاصمة، ومن بينهم السيدة مريم، وهي معلّمة ثلاثينية من سكان مدينة دوما، وكانت خلاصة قولها “أهل الغوطة تعوّدوا”.

تعتبر مريم أن لا جديد لدى أهل الغوطة أمام ما يعيشونه منذ سنوات ثلاث، بل لعلّهم أكثر أهل سوريا استعدادًا لأيام كهذه، فلا وجود لكهرباء يخشى سواهم انقطاعها، والبرادات صارت “نملية” لحفظ “النواشف” منذ سنوات، والمؤونة صارت تحفظ تجفيفًا بطرق الجدّات، وتحصيل المياه مقرون بالآبار المحليّة لا بخدمات النظام.

“ما نعيشه اليوم حفّز العقول على ابتكارات تخفّف من حدّة الواقع، فمثلًا لدينا مروحة مصنّعة من أربعة مراوح كانت تستخدم لتبريد معالج الكمبيوترات، موصولة مع بعضها لتعمل على البطارية مباشرة دون الحاجة لمحوّل كهرباء أو غيرها”، تقول مريم، مشيرة أنها، إضافة لذلك، رخيصة الثمن مقارنة بكل شيء إذ يبلغ سعر القطعة 1500 ليرة فقط”.

وتضرب مريم مثالًا آخر لابتكار معروف منذ سنتين في الغوطة لتبريد المياه، فبالإضافة للجرار الفخّارية القديمة يكاد لا يوجد بيت غوطاني لا يحتوى قارورة محاطة بقماش “الخيش” يقومون ببلّه باستمرار ليبرد محتواه دون الحاجة لثلاجة كهربائية، وتشير مريم إلى أن موسم فواكه وخضار الغوطة كان أكبر مساعد في ظل الحصار والصيف “الحمد لله أكرمنا الله بموسم رائع، أسعار المشمش والخوخ والبطيخ رخيصة ومتوفرة بشكل كبير”.

لكن هذا لم يمنع أهل الغوطة من التأثر بالحرّ، إذ شهدت النقاط الطبية العديد من حالات ضربات الشمس والإسهال والإقياء، إضافة لانتشار أمراض الصيف عمومًا مثل حمى المالطية والحمى التيفية والتهاب الكبد، وتضيف مريم “ضربات الشمس لم تكن ناتجة عن الشمس المباشرة بل عن ارتفاع الحرارة في الظل حتى، فشخصيًا أصبت بضربة شمس نتيجة الطبخ أمام الحطب والنار لفترة طويلة، وهو أصعب ما نمرّ به في الغوطة صيفًا”.

اجراءات لتخفيف موجة الحر

بدوره ينقل الأستاذ نذير، عضو المكتب الإعلامي للمجلس المحلي في مدينة دوما، سعي المجلس لتخفيف أثر موجة الحر على الناس قدر الإمكان، فمثلًا تقوم سيارات تابعة له برشّ المبيدات الحشرية للتخفيف من معاناة السكان منها مرة أسبوعيًا، ويضيف “طبعًا من المفترض أن تكون وتيرة رشّ المبيدات أكبر لكنها عملية مكلفة نظرًا لغلاء الوقود وندرة المبيدات وصعوبة تأمينها”.

ويعتبر نذير الحفاظ على نظافة المدينة من أهم الإجراءات التي يتخذها المجلس للحيلولة دون انتشار الأوبئة عبر جمع النفايات يوميًا وتكريرها وتنظيف المكبّات، مشيرًا إلى أن معظم الأمراض المنتشرة في الغوطة مردّها إلى تلوّث المياه “نتيجة للاعتماد على مياه الآبار سواء للشرب أو لري المزروعات، إضافة لعدم إمكانية مراقبة اتباع بائعي الثلج المحليين لقواعد السلامة والنظافة”.

يناوبون 24/24

بدوره، يشير السيد محمود.أ، وهو من كادر الدفاع المدني في الغوطة الشرقية، إلى أن جاهزية الفريق أمام موجة الحرّ تماثل جاهزيته أمام موجات الصقيع شتاء، ويوضح “مناوباتنا استمرت 24 ساعة كما يفترض بنا أن نكون استعدادًا لأي طارئ لا سمح الله، درجات الحرارة وصلت في الغوطة إلى 48 درجة مئوية لكنّ لطف الله بنا ووعي الناس مثل لجوئهم للطوابق السفلية من الأبنية واتخاذ تدابير وقائية جعلا أعداد الإصابات أقل من المتوقع، ومن بينهم إصابات في الدفاع المدني نفسه إضافة لإصابة الأطفال والنساء والعمال المنتشرين في الشوارع”.

ويضيف محمود أن تأقلم أهل الغوطة مع واقعهم لا يعني أنه يشبه سواه، فما يعيشونه من قصف وقلة في الغذاء وغلاء لا يعلمه إلا من عاشه، ويدلل على ذلك بمثال “نعتمد اليوم على الثلج للتبريد، سعر كيلو الثلج كان 5 ليرات في الماضي، اليوم يشتريه من يستطيع بحوالي 120 ليرة سورية، ولعائلة مكونة من 6 أشخاص أنت بحاجة لما لا يقل عن 3 كيلو للتبريد يوميًا، فقارنوا يرعاكم الله”.

 

تتأثر البلاد بموجة من الحر منشؤها الهند، خصوصًا في المنطقة الجنوبية، وقد أسفرت عن حالتي وفاة في السويداء، إضافةً إلى تضرر في المحاصيل الزراعية.

أصدرت غرفة الزراعة في حكومة الأسد إحصائياتتوثق نفوق ما معدله 40% من أعداد الفراريج المرباة بالمداجن، إضافة إلى 30% من الدجاج البياض نتيجة لموجة الحر ما تسبب بارتفاع أسعار لحومها إلى 750 ليرة.

وأشارت وكالة الأنباء الفرنسية حسبما نقلته عن وكالة سانا للأنباء إلى اندلاع نحو عشرة حرائق في محافظة طرطوس تسبب بها “ارتفاع الحرارة والإهمال”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع