إعلاميو الثورة .. من اتهامات العسكر والمدنيين إلى ضياع الحقوق

  • 2015/07/26
  • 3:17 م

إعلامي الثورة من اتهامات العسكر والمدنيين لهم إلى ضياع الحقوق

عماد نجم حسو

عمد النظام السوري منذ بداية الثورة إلى لجم عدسة الصحفيين وكسر أقلامهم كي لا يكونوا النافذة التي تفضح تعامله الأمني الدموي ضد من قاموا بالثورة السورية، وفي سبيل ذلك أغلق مكاتب الوكلات الإعلامية وأوقف صحفييها عن العمل، باستثناء الجهات المناصرة والداعمة لسياسته، أو بعض الوكالات الإعلامية التي قيد مراسليها بمناطق تغطية تحددها المخابرات السورية وبما يخدم مصالح النظام.

قلة الصحفيين وضعف التغطية الإعلامية مع بداية الثورة ألجأت النشطاء إلى توثيق المظاهرات وفضح ممارسات النظام السوري من خلال كاميرا الموبايل، فأخذوا دور الصحفي الموثق، والناقل إلى القنوات الإعلامية، كما قاموا برفعها على وسائل التواصل الاجتماعي وجعلوا الوصول إليها متاحًا للجميع، بهدف نقل القضية إلى العالم. من هنا ظهرت الملامح الأولى للمواطن الصحفي في سوريا.

برزت تجربة المواطن الصحفي نتيجة لضرورة أخلاقية وواجب فرضه الواقع السوري الجديد على النشطاء الثوريين، ترتكز أهميته على عوامل منحته قدرة الوصول إلى كل وكالات العالم، منها القرب من الحدث وسرعة الوصول لموقعه وقلة التكاليف المالية، بإلاضافة إلى رغبة النشطاء وحماسهم الشديد لنقل ما يحدث، الأمر الذي جعل من موادهم الإعلامية مصدرًا مناسبًا لبعض الوكالات الإعلامية. إلا أن ضعف الخبرة الصحفية والتعامل مع الأحداث بصورة بعيدة عن الحياد وقريبة من العاطفة أدت إلى الابتعاد قليلًا عن معايير العمل الصحفي، كالموضوعية، والخلط بين الرأي والخبر وبين النشاط السياسي أو الفكري والعمل الإعلامي، كذلك استخدام المهنة للوصول إلى مكاسب شخصية والدخول في صراعات مع الزملاء.

العمل الإعلامي الأخطر في البلاد، فقد صنفت سوريا كأخطر بلد للعمل الصحافي للعاميين 2013، 2014 بحسب منظمة “مراسلون بلا حدود”. القتل والخطف والملاحقة والتعذيب والاعتقال، بالإضافة لخطر القصف والإصابة، هو ما يتعرض له الإعلاميون عمومًا. كما أن المئات من الإعلامييين غيبوا في سجون النظام السوري أو اعتقلوا من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، أو بعض الفصائل العسكرية الأخرى، ولعل وحدة الموقف تجاه الإعلاميين من قبل الأطراف المتناحرة عسكريًا يظهر لنا الدور الكبير الذي يلعبه الإعلاميون في كشف جرائم وتجاوزات كل منها على حدة.

الهجمة الأخيرة، والمنظمة، في مدينة حلب على إعلاميها تضع إشارات استفهام كبيرة، فالإعلامي بات عرضة للشتم والضرب والاعتقال من قبل العسكريين والعاملين في المشافي وبعض المدنيين أيضًا، وكل معتد يظهر حججًا يبرر فيها اعتداءاته، إلا أن إستمرار هذا التهجم واتهام العاملين في الإعلام بأنهم “علمانيون”، وهمهم الحصول على المواد الصحفية بهدف جمع “الدولار”، كما حدث مع المواطن الصحفي كرم المصري والناشط حذيفة دهمان في حي الكلاسة، يعني أننا أمام عمل ممنهج تتكرر خلال أسبوع واحد من قبل أكثر من جهة.

مع كل المخاطر التي يتعرض لها الإعلامي، إلا أنه لا زال يعمل، وفي ظروف معيشية وأمنية سيئة، وأكاد أجزم بأنه الحلقة الأضعف، إذ يعمل ضمن ظروف قد تنهي حياته أو تعرضه للإصابة أو الإعاقة أو الاختطاف وبدون أي حقوق له، لاسيما مع وجود وكالات وجهات إعلامية لا تبرم العقود مراسليها تحدد فيها واجباتهم وحقوقهم، أو تعطيهم أية ضمانات صحية أو مداخيل مادية دائم تؤمن حياة كريمة لهم ولعائلاتهم، ولا أستثني من ذلك الوكلات العالمية، التي تقتصر ضماناتها على تغطية علاج بعض الإصابات.

بالعودة إلى القوانين الدولية الخاصة بالصحفيين الموجهة لتأمين سلامتهم، ذُكر الصحفيون في معاهدات القانون الدولي الإنساني بطريقتين مختلفتين، الأولى: في اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب التي تغطي مراسلي الحرب، والثانية: في البروتوكول الإضافي الأول إلى اتفاقيات جنيف الصادر عام 1977، ويتناول بشكل محدد مسألة الصحفيين الذين يقومون بمهام مهنية خطيرة في مناطق النزاع المسلح. وكلتا المعاهدتين تسريان على النزاعات المسلحة الدولية.

كذلك المواطن الصحفي أو الصحفي غير الحاصل على إذن عمل، المكلف بمهام خطيرة في إحدى مناطق النزاع، هو شخص مدني يتمتع بجميع الحقوق المكفولة للمدنيين بوصفهم كذلك. ويرسخ البروتوكول الأول في مادته رقم 79 هذه القاعدة في النزاعات المسلحة الدولية، وبذلك، لا يفقد الصحفيون وضعهم كمدنيين بدخولهم منطقة نزاع مسلح في مهمة صحفية، مالم يقوموا بأعمال تفقدهم مدنيتهم.

في الحقيقة، كل ما ذكر من المواثيق والمعاهدات الدولية، التي تؤكد على ضرورة حماية الصحفيين وضمان سلامتهم، غير مهمة على الأرض لعدم التزام كل من يحمل السلاح بها، كما أن غياب كيان إعلامي موحد يجمع الصحفيين ويحدد معايير عملهم في المناطق المحررة من سوريا، ويوضح واجباتهم وحقوقهم، وينظم طبيعة علاقتهم ببعضهم البعض وعلاقتهم بالوكالات التي يعملون معها، يعتبر من أكبر المشاكل التي يعاني منها القطاع الإعلامي في سوريا، الذي يتسم بالفوضى والعشوائية، ما ينعكس على الإعلاميين ويهز صورتهم في المجتمع، فيصبحون عرضة للاعتقال وقد يخسرون حياتهم.

مقالات متعلقة

رأي

المزيد من رأي