الأسد- مخلوف.. صراع الرمق الأخير للنظام

  • 2020/05/24
  • 12:00 ص

أسامة آغي

قال مستشار رئيس البرلمان في إيران، أمير عبد اللهيان، إن “مشروع إطاحة بشار الأسد كذبة أمريكية كبيرة، وإن الأسد هو الرئيس الشرعي والقائد العظيم لمحاربة الإرهاب”.

عبد اللهيان يدرك عميقًا أن ما يقوله بخصوص نظام الأسد، لا يخرج قيد أنملة عن سياسة استثمار إيران لهذا النظام، من أجل جعله حلقة من حلقات النفوذ الإيراني، وأن إيران تعرف حجم خسائر النظام السوري على كل المستويات، ولهذا، فهي لا تريد أن تعترف بأن صراع النظام مع الشعب السوري قد وصل إلى نهايته غير السعيدة، بالنسبة لبقاء النظام في الحكم، وأن الصراع انتقل إلى داخل بنية النظام الصلبة، وأظهر تشقق هذه البنية، التي ظهرت تصدعاتها إلى العلن.

هذا التشقق يسبق انهيار بنية الحكم، لأنه تشقق أصاب ركائزه الأساسية، فالنظام من دون آلية فساده الاقتصادي، ومن دون إدارة هذا الفساد، لن يستطيع الصمود في وجه التغيرات، التي بدأت تتراكم في وجهه بصورة تفوق قدرته.

التغيرات تتعلق بتغير الموقف الروسي من رأس النظام وبطانته، الذي ظهر عبر وسائل إعلام روسية قريبة من الكرملين.

وتتعلق أيضًا بتغير الموقف الإيراني، الذي تجاهل عبد اللهيان الحديث عنه، ولكن إيران اكتشفت أن النظام بات غير قادر على تقديم النفع لها، بعد وضع يدها على مساحة واسعة من موارده الاقتصادية، وهو أمر يدفعها للتفكير ببدائل، تخدم استمرار نفوذها في هذا البلد، وحماية استثمارها الأيديولوجي والسياسي والاقتصادي.

جفاف موارد النظام الاقتصادية، وأوهامه بقدرته على مواجهة التغيرات العميقة في الموقف الدولي منه، دفعه إلى التفكير باستخدام ورقة أثرياء نهب البلاد، وورقة أثرياء الحرب، من أجل الصمود أكثر فأكثر، وفي مقدمة هؤلاء، ما يمثله رامي مخلوف على صعيدين اثنين هما، خطر دوره الاقتصادي، وخطر علاقته بالطائفة العلوية.

لم ينسَ الناس ما هي جمعية “البستان الخيرية”، التي قام النظام بحلّها ومنع نشاطها في عام 2019، ودور هذه الجمعية في الإنفاق على مصابي جنود النظام من أبناء الطائفة الحاضنة.

الصراع بين الأسد ومخلوف هو صراع على السلطة، في مرحلة انحسار وضعف النظام، ولهذا سيقوم كلا الطرفين بحشد كبير في صفوف أتباعهما من أجل منع الآخر من ابتلاعه، فالظروف السياسية والاقتصادية التي حكمت صلابة روابط بنية النظام في مراحله الأولى لم تعد موجودة في الظروف الحالية، لا سيما بعد اضطرار النظام إلى رهن اقتصاد البلاد، وفشله في قدرته على حسم الأمور عسكريًا ضد الثورة السورية.

إن طرفي الصراع (الأسد- مخلوف) يعملان كل من مقدماته على حشد تأييد محلي ودولي، يتمثل هذا الحشد باستمالة الحاضنة الطائفية أولًا، باعتبارها كانت وقودًا لاستمرار بقاء النظام في السلطة، وكذلك حشد التأييد السياسي من الخارج، والمتمثل بإسرائيل أولًا، ثم إيجاد تقاطعات ممكنة ومفيدة مع روسيا أو إيران.

لكن الصراع بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف، ليس صراعًا فرديًا بين شخصين، وليس صراعًا على حيازة شركة ذات مردود اقتصادي مثل شركة “سيريتل” أو غيرها من الشركات، بل هو صراع يتعدى ذلك إلى صراع ذي محتوى سياسي عميق، يبدأ بمحاولة استمالة الطائفة الحاضنة، التي ينتمي كلاهما إليها، وكذلك بمحاولتهما إيجاد سند دولي فاعل، يرجّح أحدهما على الآخر.

الطرفان المتصارعان يبدو أنهما لا يريدان قراءة لوحة الموقف الدولي الجديد، التي تعتبر أن نظام بشار الأسد هو نظام فاسد وضعيف ولا يهمه إلا مصالحه الضيّقة، وهذا ورد في تصريحات مايك بومبيو وجيمس جيفري في أكثر من مناسبة.

الأوهام السياسية التي يسوّقها رامي مخلوف لحاضنة طائفته تقوم على قاعدة قناعته، أن النظام العالمي لا يزال لا يريد إسقاط النظام السوري بصورته العامة، وإنما يريد تخفيف وطأة حكمه الاستبدادية، ومنح هامش حريات، ثم بقاء الحكم وتجدده بصيغة تزيينية لا أكثر.

رامي مخلوف نسي أنه جزء رئيس من بنية نظام الفساد والنهب والاستبداد، وأن ما آلت إليه أمور البلاد من دمار وسوء، إنما هو شريك فيها، من خلال النهب وتجاوز قوانين البلاد، والاشتراك بالصراع الدموي ضد الشعب السوري، وما فعلته ميليشياته المدعومة منه.

وهمُ رامي مخلوف، بتبييض صورته أمام طائفته، لن يغيّر من اسوداد هذه الصورة أمام الأمريكيين، الذين يفرضون عليه وعلى شركاته وأعماله عقوبات اقتصادية، ولهذا فهو لن ينجح في تسويق نفسه عند أحد، وإنما يسهم في إضعاف نظام حكم سهّل له ولعائلته لعب دور غاسل أموال القصر.

الصراع بين الأسد ومخلوف هو في بدايته، ونهايته لن تطول، لأن قانون “قيصر” لن يرحم النظام وسيعجّل برحيله، ولن تستطيع قوة إقليمية أو دولية عرقلة تنفيذ هذا القرار الذي يتوهم الطرفان المتصارعان فيه أن إسرائيل يمكن أن تعترف بجميلهما عليها، وتضطر لإيجاد صيغة حماية لهما.

الصراع بين طرفي بنية النظام (الأسد- مخلوف) قد يبدو في لحظة صراعًا بين الدور الإيراني والدور الروسي في سوريا، هذا في ظاهر الأمور، ولكن الصراع في عمقه هو صراع الرمق الأخير لجسد نظام ذاهب إلى موته المحتّم، وأن الروس باتوا على قناعة بضرورة الخلاص من هذا الكمّ الكبير من الفساد والاستبداد والفظاعة، التي لن يحتملوا وزر الدفاع عنها.

الأمر لدى الإيرانيين سيأخذ شكلًا آخر يضمن مصالح استثمارهم في الصراع السوري، وقد ادّعى أحد مسؤولي النظام الإيراني أنّ لإيران ديونًا على سوريا، تبلغ ما بين عشرين وثلاثين مليار دولار، وإيران في ظل أزمتها بحاجة إلى هذه الأموال.

هذا الكلام يدلّ على قناعة إيرانية بأن النظام في طريقه إلى خارج الحكم، وأن من حق إيران التي ستضطر إلى سحب قواتها وميليشياتها من سوريا ضمان حقوقها، وهي رسالة إيرانية ليست موجهة لنظام الأسد وإنما للمجتمع الدولي.

بقي أن نقول، إن صراع الأسد– مخلوف لن يتوقف عند وضع اليد على أملاك الأخير، بل سينتقل إلى انقسام عمودي في الحاضنة الطائفية المساندة للنظام، وإن كل ما يجري من صراعات بينهما واتساع لها سيتغير منحاه مع تطبيق قانون “قيصر” في حزيران المقبل.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي