عنب بلدي – القنيطرة
تراجعت الزراعة في الجنوب السوري على مدى تسع سنوات من الحرب، بسبب الاستهداف المتكرر للأراضي الزراعية وحرق المحاصيل، قبل أن يعيد النظام سيطرته على محافظة درعا منتصف عام 2018.
يواجه المزارعون في الجنوب السوري حاليًا مشاكل كثيرة، أهمها ارتفاع أسعار السماد الزراعي والمواد الأولية اللازمة للزراعة والمحروقات، وتوتر الوضع الأمني بعد سيطرة النظام على المنطقة، فضلًا عن نزوح مزارعين عن أراضيهم بسبب الحرب سابقًا.
ومع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) زادت الأعباء على المزارعين، بسبب صعوبة وصول المزارع إلى أرضه كما في السابق بسبب فرض حظر التجول الجزئي، وإغلاق الطرقات بين المدن والقرى، وإغلاق معبر “نصيب” الحدودي، حيث كانوا يصدّرون جزءًا من منتجاتهم إلى الأردن عبره.
ارتفاع أسعار الأسمدة 100%
المزارع أحمد الصمادي من منطقة جيدور بريف درعا الشمالي الغربي قال لعنب بلدي، إنه قبل عام 2011 كان يزرع البندورة في أرضه البالغة مساحتها 50 دونمًا، وخلال سنوات الثورة لم يزرعها أبدًا بسبب قرب بلدته من جبهة الاشتباكات.
وفي العام الماضي، عاود زراعة البندورة في مساحة 25 دونمًا فقط، بسبب تكاليف الزراعة، مشيرًا إلى ارتفاع كبير في أسعار الأسمدة الزراعية، وارتفاع أسعار المحروقات تدريجيًا منذ عام 2011.
وأعلنت حكومة النظام بداية آذار الماضي عن رفع أسعار الأسمدة بنسب تراوحت بين 41% و100% حسب نوعها.
كما ارتفع سعر طن السماد “سوبر فوسفات” من 151 ألف ليرة سورية إلى نحو 304 آلاف ليرة، كما ارتفع سعر الطن من أسمدة “اليوريا” إلى 248 ألف ليرة بدلًا من 175 ألف ليرة.
وحُدّد سعر الطن من أسمدة “نترات الأمونيوم” بمبلغ 206 آلاف ليرة بدلًا من السعر السابق 108 آلاف ليرة.
رئيس اتحاد فلاحي دمشق وريفها، محمد خلوف، قال حينها إن أثر رفع أسعار الأسمدة سيكون شديد السوء على الفلاحين، لجهة ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم قدرة الفلاحين على تحمل هذه التكاليف، وخاصة بعد إضافة تكلفة أسعار الأسمدة الجديدة إلى التكاليف الأخرى، مثل المحروقات والمبيدات وتكاليف العمالة وغيرها، بحسب ما نقلت عنه صحيفة “الوطن”.
“الواسطة” شرط للاستفادة من مبادرات الزراعة
رغم ما تعلن عنه وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في حكومة النظام، من مبادرات لدعم المزارعين، فإنها لم تساعد بشكل فعلي في حل مشكلة ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، التي تنعكس على أسعار الخضار والفاكهة المزروعة محليًا في الأسواق.
وعن بعض مبادرات حكومة النظام لدعم الفلاحين، قال المزارع هيثم النعيمي من بلدة عين التينة بريف القنيطرة لعنب بلدي، إن اتحاد الفلاحين بالتعاون مع منظمة “الهلال الأحمر”، يوزع منحًا زراعية شتوية كبذار القمح والشعير والسماد وشبكات الري.
“لكن الفلاح لا يحصل على هذه المنح إلا بالواسطة، والوقوف أمام أبواب المسؤولين عن توزيعها، فضلًا عن كون البذور أو الشتلات الممنوحة هي من أنواع رديئة”.
وأضاف النعيمي أنه بالرغم من عدم توقفه عن زراعة أرضه طوال سنوات الثورة، كون البلدة كانت بعيدة عن مناطق القصف، فإنه تعرض لخسائر بسبب الارتفاع التدريجي في تكاليف الزراعة من سماد وأدوية زراعية وأجور عمال وأجور نقل.
كيف تُحل الأزمة؟
عن العوامل الضرورية لتحسين الزراعة، قال مهندس زراعي في القنيطرة لعنب بلدي (تحفظ على نشر اسمه)، إن خصوبة التربة من أهم عوامل الزراعة الحديثة، وتتحقق عند زراعة الأرض بأكثر من محصول في العام نفسه، للحفاظ على توازن المعادن والعناصر الضرورية للمزروعات الموجودة في التربة.
إلى جانب ذلك، تحتاج المزروعات إلى نظام ري ومناخ مناسبين، ومحاربة الأمراض التي تصيب المزروعات مثل الدودة القارضة، وذبابة القطن البيضاء، وحشرة المن، والعنكبوت الأحمر.
سوريا لم تحقق الأمن الغذائي بعد
رغم تحسن الوضع الزراعي في سوريا عن السنوات السابقة، وتحسن إنتاج القمح لموسم 2019، لم تتمكن بعد من تحقيق مستوى الأمن الغذائي الذي ساد قبل الأزمة، بحسب تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، نُشر في تشرين الأول 2019.
وقال المدير الإقليمي للمنظمة في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، عبد السلام ولد أحمد، إن حوالي 6.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، إلى جانب نزوح آلاف المزارعين عن أراضيهم.
وأضاف أن المزارعين في سوريا بحاجة إلى المزيد من الدعم لإنتاج ما يكفي من الغذاء للشعب السوري، مثل أنظمة ري فعالة، ومدخلات زراعية ذات جودة مستدامة، وإمكانية الوصول إلى المعلومات والتدريب، لا سيما في مناطق مثل دير الزور ودرعا والرقة.
وأكد ولد أحمد على ضرورة أن تعدّل حكومة النظام السوري السياسات والقوانين الزراعية، وتساعد على تعزيز الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، وتضمن حصول جميع المزارعين، ولا سيما الأكثر ضعفًا، على الخدمات الأساسية والمعارف اللازمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.