سوريا.. فشل رهانات الطائفية والبحث عن مربعات تفاهم جديد

  • 2020/03/29
  • 12:00 ص

أسامة آغي

تردّدُ دوائرُ القرار الدولي تصريحات تتعلق بمآل الصراع في سوريا، وتلخصه بعبارة واحدة تقول: “لا حسم عسكري في الصراع السوري، والحل سياسي”.

هذه التصريحات، تكشف عن إرادة دولية تقودها الولايات المتحدة، تريد منها إفهام الأطراف المساندة للنظام أو للمعارضة، أن لا حلّ للصراع السوري خارج محتوى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن في 18 من كانون الأول 2015.

التأكيد الغربي على هذا الحل، يلغي فعليًا مساحة انتصار النظام السوري عسكريًا بشكل نهائي، وهو تأكيد يدرك الروس والنظام، أنه ذهاب إلى مربع جنيف، لتنفيذ محتوى القرار الأممي المذكور. وقد ظهر ذلك علنًا، من خلال مجموعة أصدقاء سوريا المصغّرة، عبر رفضها تمويل إعادة الإعمار، أو رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام.

هذا المحتوى من الفهم الدولي يفترض استجابة داخلية سورية له، هذه الاستجابة لا تتعلق بالنظام السوري لوحده، بل بأطراف الصراع الداخلي. هذا الصراع، الذي بدأ بصورة سلمية بمحتوى وطني ديمقراطي، تمّ اختطافه لمصلحة أجندات سياسية، ذات محتوى طائفي، بصورة أو بأخرى، فتحوّلت الثورة إلى مربع غير صحيح، وهو تصوير هذه الثورة، باعتبارها ذات بعد طائفي سني، ثارت ضد طغيان حكم طائفي.

هذه الحالة التي دفع إليها النظام بوحشيته الأمنية، كان المقصود منها، دفعُ جهات انخرطت في الثورة إلى الاحتكام لصراع طائفي في البلاد، ما يُجبر الطائفة العلوية، التي تعتبر حاضنة النظام الأولى، على الالتفاف حوله، والانجرار خلف معركته، وهو أمر أفقد هذه الطائفة بوصلتها الوطنية، دون أن تدرك أنها تخوض صراعًا دمويًا، لا يخدم مصالحها الاستراتيجية كمكون من المكونات السورية.

هذا حدث أيضًا، لدى طرف الثورة بعد تسلحها ونهوض فصائل إسلامية، ترفع شعارات دينية، لا علاقة لها بمحتوى ثورة السوريين السلمية. فمن يتذكر مظاهرات حماة وحمص ودير الزور وداريا وغيرها، لا بدّ أنه يتذكر، كيف كان الشباب الذين يحملون الورد وأغصان الزيتون، يتقدمون صفوفها، فيصير بإمكانه الجزم، بأن هذه الثورة كانت ذات محتوى يدعو للحريات والكرامة والديمقراطية.

لهذا يبدو أن التسلح، الذي اتجهت إليه قوى داخلية ذات مصلحة به، لم يكن يخدم الثورة، بل يخدم تحويل الصراع إلى مستوى غير وطني، أي إظهار الصراع وكأنه طائفي، وبمعنى آخر، يتمّ فيه تصوير هذا الصراع بين أكثرية سنية وأقلية علوية، وهذا غير صحيح، لأن الصراع هو بين نظام مستبد فاسد، وشعب فجّر ثورة سلمية لإزالة الاستبداد.

هذا هو مفصل تعمّق الصراع الذي عمل عليه النظام، وهو يعني ببساطة تغريب مكون من المكونات الوطنية، ودفعه إلى عتبة صراع لا يخدمه بتاتًا، وعدم خدمته يتعلق باعتبار هذا المكون هو أقلية، لن تستطيع مدى الدهر حكم مكون آخر، يشكّل الأكثرية. ولكن أيضًا إن ترسيخ مفهوم أقلية وأكثرية طائفية، لا يخدم مطلقًا مبدأ المواطنة، وتكافؤ الفرص، الذي طرحته الثورة السلمية السورية.

هذه الرؤية، وأمام ما انزلقت إليه البلاد، من فقد للقرار الوطني السوري المستقل، لمصلحة قوى دولية، وما تتعرض له من تحديات خطيرة على المستويات كلها، الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية…، يتطلب من المكونات السورية، عبر نخبها ذات الاتجاه الوطني المستقل، ممن لم ينخرطوا بلعبة الصراع الطائفي، أو الدعوة لاستمرار هذا الصراع، إيجاد مربعات تفاهم جديد، خارج طائفية الصراع، وخارج الاستبداد المقيت، الذي يفرضه النظام، والذي هو سبب معاناة كلّ السوريين دون استثناء، في كل مكوناتهم الدينية والطائفية والإثنية.

هذه الرؤية ينبغي أن تجد لها مربعات تفاهم جديد بين المكونات السورية، وحين نقول تفاهمًا جديدًا، فنحن لا نقصد تفاهمًا ذا صيغة محاصصة طائفية أو إثنية أو دينية، بل نقصد مربع تفاهم وطني، على قاعدة عقد اجتماعي يخدم الإنسان السوري، بغض النظر عن دينه وقوميته وطائفته.

إن تحرير المكونات السورية المختلفة من انغلاقها الذاتي، ومن خوفها من بقية المكونات، لا يمكن أن يتم وفق عقد محاصصة طائفية، أو إثنية، بل عبر عقد اجتماعي، تشكّل المواطنة المتساوية الحقوق والواجبات جوهره. وهذا يمكن التوصل إليه من خلال إيجاد تفاهمات مستقلة بين المكونات السورية بعيدًا عن تدخل قوى النظام أو المعارضة بصيغتها غير الشاملة وطنيًا، وبعيدًا عن أي تدخل إقليمي أو دولي.

إن خلق مناخ للتفاهمات الوطنية، يتطلب لقاءات بين النخب السورية خارج أسوار شكل الصراع الحالي، الذي دمّر كل ركائز التفاهمات الوطنية، وأطلق عنان قوى ما قبل وطنية، تريد استثمار الصراع السوري لمصالحها الضيّقة، دون اكتراث بحجم الدم السوري المراق، في صراع اختار النظام جوهره، وشكله، ودفع بالجميع إلى حلَباته.

خلق مناخ للتفاهمات، يعني تأكيد الانتماء الوطني لدى كل المكونات، وهذا يفترض بذل جهود ملموسة، تتركز على بيان ضرورة وقف الصراع السوري الداخلي، والعمل على بناء أسس ثقة متبادلة بين المكونات جميعها، هذه الثقة، يمكن البدء بها، من خلال ميثاق شرف وطني، يثبّت القبول بمصالحة وطنية سورية شاملة من قبل كل المكونات السورية، من خلال تنفيذ القرار الدولي رقم 2254، واعتماد مبدأ العدالة الانتقالية، بحيث تتم عملية محاكمة كل الضالعين بالدم السوري، و كل من نهب وخرّب الاقتصاد الوطني، واعتدى على الأملاك العامة والخاصة، ومن قام بانتهاكات حقوق الإنسان، وارتكب جرائم حرب.

ميثاق الشرف بين السوريين، هو خطوة في اتجاه نزع التمثيل من يد القوى المتصارعة، التي تعيش على استمرار هذا الصراع، على حساب دم كل المكونات السورية، فهل تذهب هذه المكونات إلى التلاقي على أرضية عقد اجتماعي وطني جديد، أم أنها ستبقى في مربع سلبيتها، وبالتالي تكون قد أسهمت في ترسيخ الانقسام الوطني، لمصلحة القوى ما قبل الوطنية؟

سؤال بحاجة إلى إجابة عملية، تتمثل بضرورة خلق مرجعية وطنية سورية، تمثّل كل أطياف المكونات الوطنية، ذات المنحى المستقل عن قوى الصراع الحالية، وهذا يتم من خلال اجتماعات لها أو مؤتمر وطني يجمعها، خارج إطار قوى الصراع المستفيدة من استمرار المهلكة السورية.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي