قفص الاتهام يطبق على “الهلال الأحمر” في الشمال السوري

  • 2020/03/15
  • 12:01 م

عنب بلدي – عبد الله الخطيب

دعت مجموعة من المجالس المحلية لمدن وبلدات ريف إدلب شمالي سوريا، إلى مقاطعة منظمة “الهلال الأحمر السوري”، متهمة إياها بالانحياز إلى النظام السوري، لتبدأ إجراءات رسمية لمنع نشاط المنظمة في المنطقة.

أعلنت المجالس المحلية لكل من عزمارين وكفرتخاريم ورأس الحصن وحارم وسرمين وخان السبل ودركوش والجانودية في إدلب، رفضها التعاون والتعامل مع “الهلال الأحمر”، مطالبة بطرد فرق المنظمة، وإيقاف نشاطها، واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقها، كما اتخذت “نقابة أطباء الشمال المحرر”، في 7 من آذار الحالي، ذات الموقف، داعية الكوادر الطبية لقطع علاقاتها مع المنظمة.

وجاءت المواقف الرافضة لـ“لهلال الأحمر السوري” بإدلب وريفها، على خلفية اتهامات بنقل عناصر قوات النظام والميليشيات الموالية لها إلى جبهات القتال عبر سيارات الإسعاف التابعة للمنظمة، إضافة إلى المشاركة بتشييع قتلى خلال الحملة الأخيرة على إدلب.

استجابة مباشرة

وزارة العدل في “حكومة الإنقاذ”، المسيطرة على المنطقة، استجابت لهذه الدعوات، في 14 من آذار الحالي، وأعلنت تعليق عمل المنظمة في بيان صادر عن مكتب النائب العام في الوزارة، حتى انتهاء إجراء تحقيق ومحاكمات قضائية، مستندة إلى دعاوى بالفساد المالي ومشاريع وهمية للمنظمة في إدلب.

وقررت وزارة العدل تحريك دعوى الحق العام بحق كل من له علاقة بالتهم المذكورة، وإصدار مذكرات دعوى وتوقيف بحق من يلزم.

كما قررت تسليم الأملاك العامة العائدة لفرع “الهلال الأحمر” إلى لجنة إشراف مشكّلة من مديرية الصحة في إدلب و”الدفاع المدني” ونقابة الأطباء، لمتابعة سير العمل والحفاظ على الموجودات لحين صدور القرار القضائي.

موظفو “الهلال” يفندون الاتهامات

تحدثت عنب بلدي إلى أحد موظفي “الهلال الأحمر السوري” في إدلب، للتعليق على الأحداث الأخيرة، وخاصة ما يتعلق بالتسجيل المصور الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ويظهر نقل عناصر من قوات النظام بسيارات إسعاف.

الموظف، الذي تحفظ على ذكر اسمه ووظيفته، لأسباب تتعلق بسياسة المنظمة، فند الاتهامات، ونفى صحة التسجيل بقوله إن السيارة التي ظهرت في الفيديو لا تحمل شارات الدلالة والحماية الخاصة بـ“الهلال الأحمر”، مشيرًا إلى أن سيارات المنظمة مميزة بشارات وخطوط معينة وهي هلال أحمر على خلفية بيضاء محاطة بجملة (الهلال الأحمر العربي السوري) باللغتين العربية والإنجليزية، ليسهل تمييزها عن آليات الجمعيات أو المنظمات الأخرى.

سيارة إسعاف “الهلال الأحمر السوري”، والتي نشترها المنظمة على صفحتها عبر “فيس بوك”، لتبرير أنها ليست نفس السيارة التي نقلت الجند- 5 من آذار (الهلال الأحمر/فيس بوك).

كما نفى الموظف ما تُرجم عن وسائل إعلام تركية منها قناة “A HABER“، التي انتشر فيها المقطع، موضحًا أن الترجمة الدقيقة له هي نقل عناصر للنظام السوري بسيارات إسعاف دون ذكر تبعيتها لـ”الهلال الأحمر”.

لكن الموظف ألمح إلى إمكانية أن يقوم بعض المتطوعين بأخطاء فردية، وقال منظمة “الهلال الأحمر السوري” بمتطوعيها وعامليها هي جزء صغير من هذا المجتمع، ومن الطبيعي أن يوجد ضمنها أشخاص يسيئون لمبادئ الحركة الدولية، وفي حال مخالفة هؤلاء الأشخاص للمبادئ، فإنهم يُفصلون من المنظمة، بحسب تعبيره.

لكن الاتهامات للمنظمة “تُلقى جزافًا دون أي تأكد أو تثبت من صحتها”، وفق الموظف، “ما قد يخلق احتمالية لتعريض متطوعيها للخطر”، معتبرًا أن من يروج هذه الإشاعات بحق العاملين في المجال الإنساني يقوم بـ“جريمة حرب” تؤثر على حياتهم.

رفض مجتمعي لـ”ذراع النظام”

تفرض المبادئ الأساسية والقيم الإنسانية التي يعمل ضمنها “الهلال الأحمر السوري“، على العامل أو المتطوع في المنظمة تأييده ومدافعته عن القيم الفردية والاجتماعية، المشجعة على احترام الإنسان، والمحفزة على العمل المشترك لإيجاد حلول لمشاكل المجتمع، وهي تقوم على مبادئ الإنسانية، وعدم التحيز، والحياد، والاستقلال، والخدمة التطوعية، والوحدة، والعالمية.

أجرت عنب بلدي استطلاعًا لآراء مجموعة من المواطنين والناشطين في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، التي ينشط فيها “الهلال الأحمر السوري”، وعبرت الأغلبية عن رفضها لنشاط المنظمة في المنطقة، ووصفوها بأنها ذراع للنظام السوري بهيكل إنساني.

الناشط المدني فايز دغيم، من أبناء مدينة جرجناز في ريف إدلب، اعتبر أن “الهلال الأحمر” وموظفيه تابعون بشكل مباشر للنظام، الذي يتدخل حتى بالتعيينات في المناصب الوظيفية.

ويعيَّن رئيس المنظمة في سوريا بقرار حكومي، وهو ما حصل عند تعيين خالد حبوباتي رئيسًا للمنظمة في كانون الأول 2016، بقرار من رئيس مجلس الوزراء، عماد خميس، بعد تعديل المادة 20 التي سمحت لرئيس الحكومة اختيار واحد من المرشحين الأربعة لمجلس إدارة المنظمة.

ورفض فايز دغيم وجود “الهلال الأحمر” في بلدته وفي المناطق الخاضعة للمعارضة، معتبرًا أن هذا ليس رد فعل وليد اليوم، بل منذ سنوات وقبل أن “تفضح” هذه الأحداث حقيقته.

ومن وجهة نظره فالمنظمة ليست تابعة للنظام، بل تساعده على التهجير القسري وتسعف جنوده، بينما في القضايا التي تخص المدنيين في المنطقة تتخذ مواقف محايدة.

مدير مدرسة “معراتة” في مخيم كللي بريف إدلب الشمالي، ساري رحمون، وصف “الهلال الأحمر” بأنه منظمة “تشبح” للنظام السوري، مستدلًا بنشاطها الانتقائي لبلدات كفريا والفوعة (اللتين كانتا محاصرتين من فصائل المعارضة السورية) في وقت لم تكن المنظمة تقدم خدمات واضحة في مناطق سيطرة المعارضة.

خالد حبوباتي يحسم الجدل: العودة إلى “حضن الدولة السورية”

وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بحث مع رئيس اللجنة الوطنية الدولية لـ”الصليب الأحمر”، بيتر ماورير، علاقات التعاون بينهما، لضمان وصول الخدمات إلى المناطق المتضررة من الحرب، وذلك بالتعاون والتنسيق مع “الهلال الأحمر السوري”، حسبما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 10 من آذار الحالي.

وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، مع رئيس اللجنة الوطنية الدولية لـ”الصليب الأحمر”، بيتر ماورير-10 من آذار (سانا)

وفي مؤتمر صحفي مشترك جمع بين حبوباتي وماورير في العاصمة دمشق، في 11 من آذار الحالي، أكد الأخير أن “الصليب الأحمر” يسعى لزيادة تمويل الموارد والمساعدات لجميع المتضررين، وشجع الدول على زيادة تمويلها بالنظر إلى كم الاحتياجات الهائلة في المنطقة.

وأوضح حبوباتي أن خطة المنظمة لعام 2020، زيادة عدد المستفيدين وخاصة مع “تحرير” العديد من المناطق وعودتها لـ“حضن” الدولة السورية، ليصار إلى تقديم جميع المساعدات من دون أي توقف أو إخلال.

وجاءت تصريحات رئيس المنظمة، في وقت شنت قوات النظام السوري مدعومة بروسيا خمس حملات عسكرية، سببت نزوح نحو مليون مواطن في إدلب وريفها، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

وقال حبوباتي لجريدة “الوطن” المقربة من النظام، إن متوسط عدد المستفيدين من المساعدات التي تقدمها المنظمة في سوريا سنويًا يصل إلى خمسة ملايين مواطن، مشيرًا إلى وصول المساعدات إلى أكثر من أربعة ملايين مواطن مع نهاية عام 2019.

ووصل عدد المستفيدين من توزيع المواد الإغاثية الغذائية وغير الغذائية إلى ستة ملايين شخص خلال عام 2019، بحسب حبوباتي.

وبلغ عدد المتطوعين في “الهلال الأحمر السوري” 12 ألفًا و400 متطوع، يخضعون لدورات تدريبية مكثفة للتعامل مع مختلف الحالات، ووفقًا لما قاله حبوباتي، فإن 65 من أفراد المنظمة قُتلوا منذ بدء الحرب على سوريا، وهذا أكبر عدد لأي جمعية في العالم من الخسائر، بحسب تعبيره.

اجتماع جمع بين رئيس “الهلال الأحمر السوري” خالد حبوباتي، ورئيس اللجنة الوطنية الدولية “للصليب الأحمر”، بيتر ماورير، في دمشق-11 من آذار(الوطن).

ماذا عن خدمات “الهلال الأحمر السوري” في إدلب؟

انخفضت خدمات فرع “الهلال الأحمرالسوري” في مركزيه إدلب وأريحا منذ عام 2015، نتيجة الضغوطات التي تعرض لها من جميع الأطراف، وخروج المشفى الخاص به وعدد من آلياته عن الخدمة نتيجة تعرضها للضرر بسبب العمليات العسكرية، وفقًا لما ذكره أحد الموظفين فيه لعنب بلدي، وتحفظ على ذكر اسمه.

وتبعًا لهذه الأسباب، اقتصرت الخدمات التي يقدمها على الخدمات الطبية المنقسمة إلى فرق الإسعاف الأولي بسيارات إسعافه ومتطوعيه، وخدمات الرعاية الصحية الأولية، والخدمات الاجتماعية، التي تتضمن الدعم النفسي الاجتماعي، ودعم وتمكين الفئات المستضعفة عن طريق دورات مهنية، وقيادة الحاسب الآلي، واللغة الإنجليزية في إدلب فقط، بحسب ما أكده الموظف.
ومع دخول ما أسماه رئيس منظمة “الهلال الأحمر السوري”، خالد حبوباتي، “الأزمة السورية” عامها العاشر، فإن المتطوعين بفرع المنظمة في شمالي سوريا، يتعرضون لضغوط بهدف إيقاف وإعاقة عملهم وإجبارهم على الانسحاب من بعض المناطق، بحسب تصريحاته لجريدة “الوطن“.

وفيما يخص الأعمال الإغاثية، بدأ “الهلال الأحمر” بإدلب وبدعم من عدة جمعيات وطنية تتبع للحركة الدولية لجمعيات “الصليب الأحمر” و”الهلال الأحمر” و”اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، بتنفيذ خطة استجابة لوضع النزوح الأخير الذي تجاوز المليون نازح، جراء ارتفاع حدة الأعمال العسكرية والعمليات العدائية، حسب الموظف.

وافتتح “الهلال الأحمر” في أيلول 2019، “مطبخ طوارئ” يقدم عشرة آلاف وجبة مطبوخة يوميًا، تُوزع على المخيمات والعائلات النازحة ضمن إدلب وريفها وبالتنسيق مع وجهاء المجتمع المحلي، ووزع خمسة آلاف حزمة من المواد غير الغذائية، وجهز عددًا من مراكز الإيواء وخزانات ماء لبعض تجمعات النازحين، وأسهم بإجلاء عدد من العائلات من المناطق الساخنة.

وبينما كانت المنظمة تنسق لاستكمال هذه الاستجابة حسب الخطة الموضوعة لتغطية قسم من الاحتياج، تعرضت لضغوطات أجبرتها على إيقاف المطبخ الجماعي ومنعتها من توزيع الدفعة الثانية من الحزم غير الغذائية، ما أدى إلى إيقاف استكمال الاستجابة، بحسب الموظف، الذي أوضح أن جميع هذه المواد اشتراها المانحون من السوق المحلي، وسلموها إلى “الهلال الأحمر” في إدلب، ولم يدخل أي منها عبر خطوط التماس، كما يروج له.

وأكد الموظف أن “الهلال الأحمر” لم يصرح إطلاقًا بامتلاكه القدرة على تغطية جميع الاحتياجات في المناطق التي تعرضت لهذه الكارثة الإنسانية، وإنما استعداده لوجوده كمنظمة رديفة ومساعدة للجهات والمنظمات المستجيبة، فهو منظمة كبقية المنظمات تستجيب لجزء من الاحتياج.

واستند لتأييد هذا الموقف بأن المنظمة تنسق مع “الهلال الأحمر التركي”، (تعد تركيا طرفًا معاديًا للنظام السوري في إدلب)، من أجل توزيع بعض المساعدات الإنسانية المقدمة من قبلهم.

ويسعى مركز إدلب لتوقيع اتفاقية عمل مشتركة بين “الهلال الأحمر السوري” و”الهلال الأحمر التركي”، برعاية “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، كونهما عضوين ضمن الحركة الدولية لجمعياتهما.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع