إبراهيم العلوش
أُلغيت الكثير من التجمعات والنشاطات بمناسة ذكرى ثورة الكرامة في سوريا ضد الاستبداد، فبعد أن هيمنت أخبار “كورونا” على وكالات الأنباء ونشرات الأخبار، تمددت للسيطرة على الشارع، وعلى حياة الناس، وقد أعلنت معظم دول العالم إيقاف المدارس والجامعات والسفر والتجمع، وصار “كورونا” سيد الموقف في العالم.
في ظل الحرب على “كورونا” تستمر روسيا في حربها على الشعب السوري واستثمار تهجيره للضغط على خصومها، أو ربما على حلفائها الأتراك أيضًا، خاصة بعد المواجهات الفاشلة بين الطرفين التركي والروسي في شمالي سوريا، والتي أسفرت عن اتفاق بوتين- أردوغان الذي خيب الآمال بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها طائرات “بيرقدار” التركية ضد الميليشيات الإيرانية وعصابات التشبيح الأسدي.
فالمواجهات التي احتلت عناوين الأخبار خلال الأسابيع الماضية لم تسفر عن أي نتيجة إيجابية للسوريين، ولم تُرجع أحدًا إلى منزله، بل إن من عاد خفية وجد بيته مهدومًا وبلدته خاوية، بعد أن نهبتها عصابات الأسد، بينما لا تزال الطائرات الروسية تعاود الظهور في سماء إدلب مستعرضة قوتها وانتصاراتها على المدنيين، ومتأكدة من تدمير المدارس والمستشفيات وكل ما يمكن أن يُبقي الناس في قراهم أو في مدنهم، ليكونوا أداة ضغط بشري ضد الآخرين في معارك الروس الحماسية ضد الشعب السوري.
في كل سنة كانت التظاهرات والفعاليات تملأ المدن والدول عبر العالم وهي ترفع شعارات الحرية للشعب السوري، وتطالب برحيل المحتلين ومندوبهم (بشار الأسد) ليبدأ السوريون حياتهم من جديد وبعيدًا عن دولة الطغيان الراعية للتعذيب والأكاذيب القومية والدينية والوطنية.
وكانت المظاهرات تملأ المدن الأوروبية في مثل هذه الأيام، إلا أن الهوس بـ”كورونا” في أوروبا اليوم، صار حادًا وشاملًا لكل مظاهر الحياة، فالشوارع تفرغ بشكل متدرج من المارة، ويترك الناس وظائفهم لرعاية الأطفال الذين لم تعد المدارس تستقبلهم منعًا لانتشار الفيروس، وصار أي تجمع، مهما كانت دوافعه، يثير الخشية ويدفع الناس لتجنبه.
ومع هذه الإجراءات، انهارت كثير من البورصات، وخرج رؤساء الدول ليتحدثوا إلى مواطنيهم بضرورة أخذ الحيطة والحذر في ظل الوباء الذي يشل الحياة ويخنق اقتصادات العالم.
وصارت إيران من أكبر بؤر انتشار المرض في العالم بعد الصين، رغم تستر السلطات الإيرانية على انتشار الفيروس بشكل كبير، فقد أصاب كبار المسؤولين، وعصف بمدينة قم الدينية، نتيجة وجود أعداد هائلة من الخبراء الصينيين في إيران، وتقوم السلطات الإيرانية بحفر مقابر جماعية، حسب صحيفة “الغارديان” البريطانية، في 13 آذار الحالي، التي نشرت خبر حفر القبور الجماعية في قم وبطول 90 مترًا حسبما رصدت الأقمار الصناعية، كما يقول كاتب المقال جوليان بورجر.
وحده نظام الأسد أنكر وجود إصابات بـ”كورونا” واعتبرها في البداية مجرد التهاب رئوي شائع، كما سمح للإيرانيين بالدخول بكثافة من معبر البوكمال. ففي مناطق الجزيرة السورية وخاصة في منطقة البوكمال والميادين يستمر تدفق الإيرانيين بشكل لافت للنظر رغم كل الأكاذيب التي ينشرها النظام حول إغلاقه للمعابر.
وبالمقابل، فإن الروس أخرجوا الناس من بيوتهم في الشمال السوري، ليعيشوا في العراء تحت رحمة الطقس البارد، واحتمالات انتشار فيروس “كورونا” بينهم، وهذا ما صرح به وزير الصحة السوري تلميحًا بقوله إن “الجيش العربي السوري” قد عقم الأجواء السورية وخلصها من الجراثيم، وطبعًا عبر القصف بالغازات الكيماوية! عقمها من المواطنين السوريين الذين يرفضون نظامه، مرددًا تشبيه بشار الأسد قبل أعوام السوريين الثائرين بالجراثيم!
هذا الربيع المصبوغ بـ”الكورونا” عطّل احتفالات السوريين بعيد الثورة التاسع، واستحال إلى تهديد للسوريين، فهو يهدد أكثر من مليون سوري في الشمال يعيشون في العراء، كما يهدد السوريين في كل الجغرافيا السورية، الذين تردت أحوالهم المعيشية والصحية في ظل النظام وفي ظل دول الاحتلال المتعددة!
رغم تفشي وباء “كورونا”، ورغم كل الخطط التي تحاك ضد السوريين، فإن الثورة لا تزال في قلوب كل السوريين الذين يسمُون إلى الكرامة وإلى الحرية، والذين يتطلعون إلى مستقبل خالٍ من نظام الأسد ومن الاحتلالات الأجنبية التي تسبب بها. الثورة تستحق منا الصبر لعبور الدروب إلى سوريا الحرة والجديدة، رغم كل المآسي والجرائم التي يرتكبها الجميع ضد الشعب السوري وضد حلمه النبيل.
تحية إلى شهدائنا وإلى معتقلينا وإلى السوريين المهجّرين والمحاصرين في كل مكان، ولنتذكر دائمًا أن إشعال شمعة الثورة خير من الاكتفاء بلعن الظلام!