تدخلت ألمانيا وفرنسا مؤخرًا في الأزمة التي تشهدها إدلب والتي تفاقمت على وقع احتدام الصدام السياسي بين روسيا وتركيا، إذ يتبادل الطرفان الاتهامات حول خرق اتفاق “سوتشي” المتعلق بإدلب والموقع بينهما في أيلول 2018.
وأجرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اتصالات مكثفة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، لقطع الطريق أمام تفجّر الوضع عسكريًا في إدلب، مع اقتراب انتهاء مهلة أنقرة لقوات النظام كي تنسحب إلى حدود اتفاق “سوتشي”.
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، عقب اتصال هاتفي بين ميركل وماكرون وبوتين، في 20 من شباط الحالي، إن المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي أبلغا بوتين أنهما يرغبان في الاجتماع به وبأردوغان، للتوصل إلى حل سياسي في سوريا.
وعبر كل من ماكرون وميركل عن قلقهما الشديد من تدهور الوضع الإنساني للمدنيين في محافظة إدلب، وطالبا بالإنهاء الفوري للقتال وتيسير تقديم المساعدات الإنسانية.
دوافع
وحول دوافع باريس وبرلين إلى التدخل في الأزمة بين اللاعبين الأساسيين في ملف إدلب، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس والخبير والباحث في الجيوبولوتيك، البروفسور خطار أبو دياب، أنها تتلخص في دافعين رئيسيين.
الأول هو خشية وقوع صدام روسي- تركي على الأرض، والثاني متعلق بثقل المأساة الإنسانية في إدلب وانعكاسه على أوروبا.
وأضاف أن الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، يعلمان أن أي صدام في إدلب يعني موجة لجوء سورية جديدة إلى أوروبا.
ومن ناحية استراتيجية، وفق أبو دياب، فإن فرنسا وألمانيا لم تسلما دومًا بغلبة الدور الروسي في سوريا، وكانتا دائمًا تتحاوران مع تركيا من أجل إبقاء نوع من التوازن داخل المعادلة السورية.
وتابع أن التدخل الفرنسي الألماني في أزمة إدلب، يأتي من أجل تطويق التوتر الحاصل، حيث تعتبر فرنسا أن مقتل الجنود الأتراك في سوريا سيعقد الوضع ويزيده خطورة، بحسب أبو دياب.
اقرأ أيضًا: الأزمة الروسية- التركية في إدلب.. جهود أوروبية قد توقف معركة أنقرة
لماذا اسطنبول؟
ولفت أبو دياب إلى أنه لم يتقرر بعد مكان عقد القمة، مشيرًا إلى أن إعلان أردوغان موعدها وتحديد مكانها في اسطنبول، يتماشى مع ما أسماه “مسار اسطنبول”، مذكرًا بالقمة الرباعية التي جمعة زعماء فرنسا وألمانيا وروسيا وتركيا في اسطنبول، نهاية عام 2018.
وتوقع أن بوتين سيتحفظ على مكان عقد القمة، لافتًا إلى أنه في حال عقدت القمة فإن الرئيس الروسي سيحاول الدفاع عن وجهة نظره بعدم تطبيق اتفاق “سوتشي” من قبل تركيا.
تقارب تركي أمريكي
أدى الخلاف بين روسيا وتركيا إلى تقارب بين أمريكا وتركيا خلال الأيام الماضية، وتجسد ذلك عبر تصريحات صدرت من مسؤولين أمريكيين حول تقديم الدعم الكامل لتركيا في إدلب.
وقالت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى “الناتو”، كاي بيلي هاتشسون، بحسب قناة “روسيا اليوم” في 11 من شباط الحالي، إن “أمريكا مصممة على دعم تركيا بحزم، وسنطلب من روسيا وقوات النظام إيجاد إمكانية للمضي قدمًا نحو حل”.
إلا أن المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، أكد صراحة على عدم وجود نية لدى واشنطن للتدخل عسكريًا.
وأوضح جيفري أن إمكانية وجود أعمال عسكرية على نطاق واسع بمشاركة اللاعبين الرئيسين في سوريا مستبعدة.
ويعتبر أبو دياب، أن واشنطن دائمًا كانت العين الساهرة على التقاطعات التي تديرها موسكو في الأزمة السورية منذ عام 2015، وخاصة منذ اعتماد “مسار أستانا” نهاية عام 2016.
وأردف أن “واشنطن التي استنتجت أن الرئيس التركي قام بالرقص على الحبل المشدود بين واشنطن وموسكو ، والآن أمريكا تتقرب من تركيا من أجل إبعادها عن روسيا”.
وأوضح أن النظرة الاستراتيجية لأمريكا تجاه الأزمة السورية تتطلب الحل النهائي وفق مسار اللجنة الدستورية وبالتعاون مع كل الأطراف، وقال أبو دياب في هذا السياق، إن واشنطن تعتبر أن الحسم العسكري الذي تسعى له روسيا وقوات النظام سيعطل ذلك ويزيده صعوبة.