إبراهيم العلوش
هل تحولت سوريا إلى مجرد صحراء فارغة حتى يستخدمها الروس والإيرانيون والإسرائيليون كملعب للتنافس الحربي ولتدريب قواتهم وتجريب معدّاتهم، وبإشراف النظام الذي فتح لهم أبواب هذه البلاد، وحوّل مدنها وقراها إلى خرائب، وحوّل ما تبقى من ناسها إلى تابعين تحت وطأة الجوع والخوف؟
تخرس الصواريخ الروسية وتمتنع عن الرد كلما ضربت إسرائيل دمشق ومحيطها، والأماكن الأخرى في سوريا، وتتحول المعدات الحربية الروسية إلى مجرد أثاث في الثكنات السورية، بينما تضع إيران رأسها في التراب، وتدّعي أن إسرائيل لم تستهدفها، والنظام بدوره ينكر وجود أي خسائر له، بل تدّعي وسائل إعلامه أنها أحبطت الهجوم.
في الساعة الواحدة فجر الأربعاء 20 من تشرين الثاني الحالي، شنت الطائرات والصواريخ الإسرائيلية هجومًا على عشرين موقعًا للحرس الثوري الإيراني في محيط مدينة دمشق، ويعد هذا هجومًا واسعًا ضد الأهداف الإيرانية في سوريا، طبعًا الصواريخ الروسية لم تقلع، وظلت غافية في مرابضها ولم تنفع لا صواريخ S-300 ولا S-400، وحتى حنكة الدبلوماسية الروسية استسلمت للنوم، فلافروف لا ينشط بتصريحاته إلا عندما يتعلق الأمر بتبرير قتل السوريين أو بالقصف الكيماوي أو بجريمة إنقاذ المدنيين على أيدي القبعات البيضاء، كما تكرر الخارجية الروسية دائمًا.
بالنسبة للإيرانيين فالحرس الثوري وميليشياته ينكرون أي خسائر لهم، وينكرون كل عملية الاستهداف، ويدعون بأنهم قوات رديفة للجيش ويقدمون المشورة العسكرية فقط، متناسين أن مطار دمشق، مثلًا، قد تحول إلى مستعمرة إيرانية على طريقة مطار رفيق الحريري في بيروت، الذي صار مصيدة لكل القادمين والمسافرين إلى لبنان، حيث تصدر أوامر الاعتقال من طهران حتى ضد اللاجئين السوريين الذين يحاولون زيارة ذويهم، ناهيك عن تحول مطار دمشق إلى نقطة وصول للأسلحة والتمويل لحزب الله، التي تنتقل علنًا أو سرًا من إيران إلى لبنان.
وعندما تسمع مسؤولي النظام ومحلليه فإنك تتذكر ما كان يتحدث به الهنود الحمر بلغة قديمة أكل الدهر عليها وشرب، فشهناز فاكوش تحدثت من دمشق إلى “BBC” في صباح الأربعاء، عن التصدي للصواريخ الصهيوأمريكية، وعن العدو الغاشم وعن تحرير الجولان والتصدي للمؤامرة التركية- الأمريكية، وما إلى ذلك من كلام خشبي أوصل سوريا إلى هذا الوضع المزري، وتقول إن “أهالي دمشق كلهم خرجوا إلى الشرفات ليشاهدوا تصدي القوات السورية البطلة لعدوان الكيان الصهيوني الغادر”، ويضيف محلل آخر أن هذا العدوان الصهيوني استهدف المدنيين وقتل عائلة في ضواحي قدسيا، وتم إسعاف الجرحى، ويضيف (بشكل سوريالي) أن هذا العدوان لن يثني عزيمتنا عن التصدي للإرهاب في إدلب وفي شمالي سوريا، وبرهانًا على هذا الكلام قامت قوات إيرانية مساء اليوم التالي، وبالتعاون مع ضباط اللواء 157 في جيش النظام، بمجزرة مخيم اللاجئين في قاح، حيث نقلت القوات الإيرانية بعض صواريخ اللواء إلى الشمال السوري، كما أكد أحد الضباط المنشقين عن اللواء157، ناهيك عن القصف الروسي المستمر لمعرة النعمان والقرى المحيطة بها.
إن مأساتنا مع هذا النظام لم تبتدئ من تسليم الجولان على يد وزير الدفاع حافظ الأسد عام 1967، بل إن تحويل سوريا إلى سجن كبير وإحلال الأحكام العرفية بشكل دائم منذ بداية استلام البعث للحكم، هو بداية المأساة التي حوّلت سوريا اليوم إلى خراب وصحراء، حيث تتنافس فيها القوى الدولية بشكل وحشي، وهي تستعمل النظام وما تبقى من المدنيين كوقود لحروبها، فعندما تسمع شهناز فاكوش أو أحمد شلاش أو بشار الأسد تتلمس نفسك هل حقًا أمثال هؤلاء هم حقيقة أم أنهم مجرد مستحاثات سامة ولا تمت إلى هذا العصر بصلة!
هذا التصحر السياسي الذي أنجزه النظام خلال ستين عامًا من حكم البعث وسيادة الأحكام العرفية قد نجح في تحويل البلاد إلى خراب يرحب بالمحتلين ويصفق لهم، ولا يزال النظام يحلم بتحويل شخصية السوري إلى مجرد إنسان يعيش خارج العصر وخارج حسابات القوى التي تهيمن اليوم على البلاد!
الشبيحة اليوم يمدحون الأسد والروس والإيرانيين، والمتطرفون الدينييون يعيشون خارج العصر بفتاويهم المتهالكة، وبرغبة الانتقام من كل البشر، والقوميون يبشرون بأحلام الأمة القادمة، أمة روج آفا، أو الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، أما الواقع فهو الجوع والخوف والهجرة وغيرها من وسائل القهر التي تفرغ البلاد من أهلها ومن أفكارهم المتجددة ومن مبادراتهم التي هزمت النظام في السنوات الأولى للثورة السورية.