خطيب بدلة
نشرتْ صحيفةُ “عنب بلدي” تقريرًا عن ظاهرة التدخين المنتشرة في مختلف أنحاء العالم، ويمارسها مليارات من البشر.. وهي ظاهرة قديمة، مزمنة، يعرف الجميع، وبضمنهم المدخنون، أنها إما أنْ تُقَصِّر العمر بضع سنوات، أو تسبب مرضًا يَطرح البعير أرضًا، مثل سرطان الرئة، وتَهَشُّش العظام، وتصلب الشرايين، والجلطتين القلبية والدماغية، ومشاكل عائلية واجتماعية كثيرة.
جاء في التقرير أن انخفاض نسب التدخين مستمر في الدول المتقدمة، بينما ارتفاع هذه النسب مستمر في الدول النامية، وبالأخص العربية.. وهذا يعود، في الحقيقة، إلى أننا نحن العرب نعرف قيمة هذه “النعمة” التي اسمُها التدخين، بينما يُشْتَهَرُ أبناءُ الدول المتقدمة بأنهم يرفسون النعمة! وحتى حينما يدخن الأجنبي، تجد تدخينه إفرنجيًا، خفيفًا، فهو يُشعل السيجارة بأناة، ويلتقطها برؤوس شفايفه، ويرتشفها ارتشافًا كطفل تسقيه والدتُه الماء بالملعقة، وعلى الفور يدفع كمية الدخان القليلة التي امتصها خارج فمه كما لو أنها أصبحت عبئًا عليه.. وأما نحن أبناء هذه الأمة المعطاءة، فالواحد منا يدخن بأريحية، وإيمان، وشبق، وبـ “قَلْبْ ورَبّْ”، فتراه يبلع كمية كبيرة من الدخان بشفطة واحدة، ويباشر بإخراجها من باجوقه ومناخيره كما لو أنه “طلمبة” زيت مبعوجة في سيارة عتيقة تعمل بالديزل، وقلما تجد عربيًا ينفث الدخان إلى الأعلى، وإنما يدفعه باتجاه جليسه، فيوشك أن يوقعه أرضًا، والأجنبي لا يدخن في الصباح، ولا في غرف المنزل، ولا في مكاتب الوظيفة، ولا في وسائط النقل العامة، وقلما تجد مطربًا أجنبيًا يصيح موالًا يقول فيه: ميتين كيلو متر، والباص فينا يسوقْ، يحرمْ علي الأكل يا عمي، غير التُتُن ما دوق.. أو يغني بَرْقْ برقْ برقْ، حرقتي قلب بريهم حرقْ، ضيفتيني سيجارة شرقْ، وأنا ما بغير دخاني..
الرجلُ منا يدخن في غرفة نومه، وفي غرفة الأطفال، وفي الباص، وفي المكاتب الحكومية، وفي المدارس.. والأجنبي إذا قال له الطبيب: لازم تبطل التدخين، سرعان ما يرد بكلمة “أمرك”، ويلقي سلاحه، ويستسلم دون مقاومة تذكر، وأما الرجل العربي فيتصدى للطبيب الظالم، ويقارعه بالحجج والبراهين والمنطق، ويطالبه ببيان الأسباب التي جعلته يطلب منه هذا الطلب الوقح، حتى إن رجلًا مدخنًا دخل مع الطبيب في مناظرة تصلح للبث تلفزيونيًا على الهواء، وإذ سأله عن عدد السنوات التي يمكن أن يعيشها إذا ترك التدخين قال الطبيب: بتعيش (15) سنة وإذا بقيت على التدخين بتعيش سنة واحدة، ووقتها أشعل المريض سيجارة وغب منها، ونفخ في وجه الطبيب، وقال له: بالله إنُّو سنة واحدة بتُتُنْ أحسن من خمسطعش سنة بلا تُتُنْ!
وإذا انتقلنا إلى العادات المجتمعية سنجد رجلًا يسأل آخر: هل تدخن؟ فيجيبه: والله ما بعرف، لأني لما بمشي ما بلتفت وراي! والآخر سألوه: بتدخن؟ فقال: نعم أدخن، ولكن فقط في الطلوع.. وأما الطرفة الأكثر تداولًا في هذه الأيام فتقول إن المريض الذي طلب منه الطبيب ترك التدخين ليعيش طويلاً سأله: إذا بَطَّلْت وبقيت عايش إنته بتضمن لي ما يطبّ عليّْ ابن حافظ الأسد برميل ويموتني في أرضي؟!