عنب بلدي – خاص
على خلاف ما شهدته مناطق الغوطة الشرقية ودرعا كان لمحافظة إدلب وضع مختلف بالنسبة للواقع الميداني على الأرض، فقوات الأسد لم تحرز تقدمًا كالذي حصلت عليه في السنوات الماضية في المناطق التي خضعت لاتفاقيات “التسوية”، وتفاجأت بتصدٍ كبير من جانب فصائل “الجيش الحر”، التي اتبعت تكتيكًا خاصًا في معاركها اعتمد على الصواريخ المضادة للدروع، التي لم تهدأ على مدار 13 يومًا مضت.
الاختلاف بين إدلب وباقي المناطق التي شملتها اتفاقيات “التسوية”، بموجب محادثات “أستانة”، يرتبط بالمقاتلين الذين يعملون في المحافظة، فهم من الرافضين للاتفاقيات، وكانوا قد خرجوا من مناطقهم الأصلية لرفضهم سياسات النظام السوري، وعودة سلطته من جديد إلى ما قبل عام 2011، وعدا عن ذلك لا يوجد أي طريق آخر يخرجون إليه في حال الاستسلام، فإدلب البقعة الأخيرة التي تسيطر عليها المعارضة السورية.
لا يقتصر الاختلاف على ما سبق بل يرتبط بالأطراف الدولية اللاعبة، فتركيا لا تزال تحتفظ بـ 12 نقطة مراقبة في المحافظة، كانت قد نشرتها في العامين الماضيين، بموجب اتفاق “أستانة”، وتستمر حتى الآن بدعم فصائل “الجيش الحر”، يتصدرها “الجبهة الوطنية للتحرير”، التي يقودها فصيل “فيلق الشام”.
كما تعطي تصريحات أنقرة بشأن المحافظة مؤشرًا على نيتها عدم التخلي عن الموقف الذي تتخذه بخصوصها، كونها دولة ضامنة لاتفاق “سوتشي”، أيلول 2018، ولاعبًا دوليًا لا يريد أن يفقد ورقة من الملف السوري من يده.
وجهة مرسومة
في آخر التطورات على الأرض تمكنت قوات الأسد من السيطرة على بلدة كفرنبودة وقلعة المضيق، وصولًا إلى بلدة الحويز في منطقة سهل الغاب بالريف الغربي لحماة، وذلك بتغطية من الطيران الحربي الروسي والمروحي.
وبحسب خريطة السيطرة الميدانية، تحاول قوات الأسد التوغل من الجنوب إلى الشمال في منطقة سهل الغاب، في خطوة للوصول إلى مدينة جسر الشغور في الريف الغربي لإدلب، بعيدًا عن المحور الذي عملت عليه في البداية وهو محور الريف الجنوبي لإدلب، إذ توقفت عند بلدة الهبيط التابعة لمدينة خان شيخون، رغم سهولة السيطرة عليها، كون المنطقة بحكم الساقطة عسكريًا.
رغم التقدم الذي أحرزته قوات الأسد، اصطدمت بتصد كبير من جانب فصائل المعارضة، التي اتبعت سياسية خاصة في المعارك، اعتمدت على الصواريخ المضادة للدروع، التي تسلمتها حديثًا من الجانب التركي.
فيديوهات وصور لم يتوقف نشرها على معرفات “الجبهة الوطنية” في الأيام الماضية، وثقت فيها استهداف آليات النظام السوري ومجموعاته العسكرية في أثناء تقدمها بالريف الغربي لحماة، الذي تعطي الجغرافيا الخاصة به مجالًا كبيرًا لاستخدام الصواريخ، وتتيح المرتفعات رصد قوات الأسد وآلياتها في أثناء تقدمها.
تصدي فصائل المعارضة وتكتيك استخدام الصواريخ يمكن اعتباره أولى الرسائل التركية التي وصلت إلى الروس، بأن المنطقة ليست كسابقاتها، وينبغي الالتزام بالحدود المتفق عليها في “أستانة” وانسحاب النظام السوري، وهو ما أكده وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، في تصريحات له مؤخرًا.
ورغم أن استخدام الصواريخ تركز في الريف الغربي لحماة، شهد محور قرية الكبانة في ريف اللاذقية معارك شرسة لم تتمكن فيها قوات الأسد من التقدم مترًا واحدًا، وخسرت عشرات العناصر والآليات في أثناء اقتحامها للمنطقة، التي تعتبر من الأكثر استراتيجية في الشمال السوري.
ما أهمية الكبانة؟
وتقع قرية كبانة التي تحاول قوات الأسد السيطرة عليها على أهم التلال الاستراتيجية في ريف اللاذقية، وتعتبر أبرز مواقع المعارضة في جبل الأكراد.
وتحظى القرية بأهمية استراتيجية، تتيح للطرف الذي يسيطر عليها رصد مساحات كبيرة من ريف حماة وإدلب الغربي إلى جانب قرى الريف الشمالي للاذقية.
وتفصل القرية الساحل عن محافظة إدلب وتعتبر بوابتها من الغرب، بينما تطل على سهل الغاب وجسر الشغور وعلى الحدود التركية، وعلى قسم كبير من محافظة إدلب وحماة واللاذقية.
شرط جدلي بين الأتراك والروس
لا يقتصر تعقيد الأمور والتطورات على أرض إدلب فقط بين الأطراف المحلية المتحاربة، بل تنسحب على الطرفين الدوليين الأساسيين تركيا وروسيا، اللذين يناقشان وقف إطلاق نار حاليًا، يصطدم بشرط جدلي هو انسحاب النظام السوري من المناطق التي تقدم إليها أو البقاء فيها.
ويقول رئيس المكتب السياسي لـ “الجبهة الوطنية”، أبو صبحي نحاس، إن مفاوضات تدور بين الروس والأتراك للتوصل إلى وقف إطلاق نار في إدلب، بعد طلب الجانب الروسي الأمر، مضيفًا أنه حتى الآن المفاوضات جارية، ولم يحصل أي شيء جديد.
وفي تفاصيل المفاوضات، يوضح المسؤول السياسي لعنب بلدي أن الجانب الروسي طلب من الأتراك وقف إطلاق النار في إدلب بشرط بقاء قوات الأسد في المناطق التي سيطرت عليها، في الأيام الماضية، في ريف حماة الغربي.
ووافقت تركيا على وقف إطلاق النار، لكنها اشترطت انسحاب النظام السوري من المناطق التي تقدم إليها، وبحسب نحاس، عرضت تركيا الطرح على فصائل “الجبهة الوطنية”، وتم رفضه إلا في حالة انسحاب النظام.
ويشير المسؤول إلى أن النظام السوري يريد من تعميم وقف إطلاق النار الضغط على الفصائل من خلال الحاضنة الشعبية في إدلب.
ويقول، “الفصائل توافق على وقف إطلاق النار بشرط انسحاب النظام من البلدات والقرى التي احتلها”.
وجاء الحديث عن وقف إطلاق النار في المحافظة بعد عقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل المشتركة التركية- الروسية، في العاصمة أنقرة، والتي بحثت في الأيام الماضية الوضع بمحافظة إدلب.
واللافت فيما سبق أن وقف إطلاق النار جاء بناء على طلب روسي، ما يعني أن موسكو وصلتها الرسائل التركية بصورة واضحة، خاصةً أنها اصطدمت عسكريًا بفصائل “الجيش الحر”، ولاقت تعنتًا تركيًا بعدم سحب نقاط المراقبة من المنطقة، وخاصةً شير المغار في منطقة جبل شحشبو، والتي تعرضت لقصف مدفعي أكثر من مرة، ووصلت إلى حدودها الغربية قوات الأسد بالسيطرة على بلدة الحويز.
ومن الواضح حاليًا أن الروس يسعون إلى إعلان تهدئة في إدلب، دون وضوح الأهداف التي يريدونها من ذلك، سواء باستغلال ما تم اكتسابه على مدار الأسبوعين الماضين في الريف الغربي لحماة، أو من أجل المماطلة لإعادة الترتيبات على الأرض، تحضيرًا لما هو أكبر بالنسبة للمحافظة ومحيطها في الريف الشمالي للاذقية وريفي حماة وحلب.