درعا – حليم المحمد
سجلت القطاعات الخدمية في محافظة درعا تدهورًا ملحوظًا في تقديم خدماتها، مقارنة بمستوياتها في أثناء سيطرة المعارضة، بعد ستة أشهر على سيطرة النظام السوري على المنطقة الجنوبية.
على عكس توقعات سكان المنطقة، بعد وعود حكومة النظام السوري برفع سوية الخدمات العامة في درعا، تراجعت القطاعات الخدمية بشكل ملحوظ، وأصبحت أسوأ مما كانت عليه قبل سيطرتها على المحافظة.
وشمل تردي الخدمات الكهرباء والمياه والمحروقات، إلى جانب الطرق والمرافق العامة، مع غياب الاهتمام الحكومة بالمنطقة.
الكهرباء تغيب والمياه تنقطع
بقي برنامج تقنين الكهرباء في مناطق مدينة درعا على حاله بمعدل تشغيل ساعتين نهارًا وساعتين ليلًا خلال الفترة الماضية، ليتحول بعد تخفيض الحكومة لـ”ميغايات” التشغيل، إلى ساعة واحدة نهارًا وأخرى ليلًا، مقابل ساعة تشغيل واحدة كل خمس ساعات قطع في مركز المدينة.
ويسهم اعتماد معظم السكان على نظام الطاقة الشمسية، بتخفيف نسبة الحاجة للكهرباء، إذ تؤمّن الألواح الشمسية جزءًا من الإنارة المنزلية وتشغيل بعض الأجهزة الكهربائية كالتلفزيونات، والغسالات في حال كانت الألواح ذات استطاعة كبيرة وموصولة برافع جهد صناعي.
حسان يسكن في درعا المدينة، قال لعنب بلدي، تعليقًا على نظام التقنين الطويل، “الكهرباء تأتي ضعيفة بسبب الأحمال الزائدة وخاصة في فصل الشتاء نتيجة تشغيل السخانات واستعمال المدافئ التي تعمل على الكهرباء، وخاصة بعد الارتفاع الجنوني بأسعار المحروقات”.
ويضيف الشاب الثلاثيني، “لم تعمل مديرية الكهرباء على إصلاح الشبكات وصيانة المحولات، إنما اكتفت ببرنامج التقنين وأغلب الأعطال على الشبكات المغذية يتم إصلاحها من قبل أهالي الأحياء، على حسابهم”، بحسب وصفه.
أما واقع مياه الشرب فشهد تحسنًا نسبيًا لا يتناسب مع الأعطال التي يعانيها ذلك القطاع، لا سيما أن الشبكات الداخلية قديمة في بعض المناطق، بعد تعرضها للتلف خلال السنوات الماضية، كما أن بعض تلك الشبكات بحاجة لترميم وصيانة، وهذا معدوم من قبل ورشات النظام في الوقت الحالي.
عضو مجلس محلي سابق (طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي، إن أغلب شبكات المياه في المنطقة الجنوبية بحاجة إلى ترميم وبعضها قديم، وعملت المجالس المحلية على ترميم الشبكات خلال السنوات الماضية، ولكنه كان ترميمًا جزئيًا رغم الإمكانيات المحدودة للمجالس.
ويضيف عضو المجلس، أن بعض القرى تحتاج لاستبدال كامل للشبكة، وبعضها تحتاج لترميم كبير، مشيرًا إلى أن هناك عجزًا واضحًا من مؤسسات الدولة والبلديات بعد خسارة المنطقة الجنوبية لدعم المنظمات الأجنبية التي نفذت مشاريع خدمية في السنوات السابقة، بحسب تعبيره.
“تلك المنظمات الأجنبية نفذت مشاريع حيوية بما يخص مياه الشرب، كتركيب الطاقة الشمسية للآبار في مناطق المحافظة مثل صيدا وطفس والحارة وداعل، وشغلت بعض محطات ضخ مياه الشرب بشكل كامل على نظام الطاقة الشمسية مثل مشروع عين الساخنة في تل شهاب”، وفقًا لقوله.
الطرقات والمرافق العامة
يلاحظ في طرقات المحافظة بشكل عام التردي الحاصل في الطرقات العامة والأساسية، وغياب الخدمات الضرورية والإسعافية منها، خاصة مع كثرة الشكاوى من أصحاب السيارات في المنطقة.
كثرة المطبات والحفر وتشقق الطرقات أرهق السائقين، واشتدت الأزمة مع امتلاء الحفر الكبيرة بمياه الأمطار والوحل والنفايات، ما أثر سلبًا على السيارات التي زادت أعطالها خلال الأشهر الماضية بعد ملاحظة أن الوضع كان أفضل في أثناء سيطرة المعارضة.
سائق تكسي (طلب عدم الكشف عن اسمه) قال لعنب بلدي، إن كثرة المطبات والحفر أنهكت السيارة وعرضتها للأعطال، مضيفًا، “في السنوات الماضية كان يتم ترقيع الحفر وتهذيب المطبات عن طريق المجالس المحلية رغم أن الحل ليس جذريًا ولكن كان يحسن واقع الطرقات، ولكن بعد سيطرة النظام لم نشهد أي عمل لهذه الطرقات والوضع سيئ وخاصة بفصل الشتاء”.
أبو وضاح، مواطن من مدينة طفس، يقول لعنب بلدي، “الطرق بحاجة لتعبيد كامل، وتوقعنا خلال الفترة الماضية المباشرة بتعبيد الطرق الرئيسية للمدينة ولكن الحال على ما هو عليه بالنسبة للطرق الرئيسية والداخلية ضمن المدينة”.
أزمات محروقات متفاقمة
على صعيد الخدمات الأساسية، تعاني مناطق الجنوب السوري من أزمات متفاقمة في قطاع المحروقات، من غياب الغاز والمازوت بشكل أساسي في ظل البرد الشديد، دون وجود مبشرات بانتهاء تلك الأزمات أو تخفيفها على الأقل.
المواد المفقودة تعتبر أساسية في معيشة السوريين، لاعتمادهم عليها بشكل أساسي في طهي الطعام والتدفئة، لا سيما مع ندرة الكهرباء وضعف طاقتها بشكل عام.
ولتزيد معاناة المواطنين في درعا، فقد وصل سعر جرة الغاز في السوق السوداء إلى 13 ألف ليرة، أي أكثر من خمسة أضعاف ثمنها النظامي، رغم التصريحات الرسمية المتكررة بالحد من تلك الظاهرة وتوفير الغاز للأهالي.
يقول الشاب أحمد، الذي حضر توزيع الغاز بحي الكاشف في مدينة درعا، في حديثه لعنب بلدي، “هرع الناس ملهوفين على سيارة الغاز والتي لا تلبي ربع احتياجات الناس الموجودين، ما سبب حدوث مشاجرة مع لجنة التوزيع مع عدم قدرة الشرطة على حسم الموقف، ما استدعى تدخل عناصر الجيش”.
غياب الغاز أثر سلبًا على المحال التجارية أيضًا، وخاصة المطاعم، التي لجأت لرفع أسعارها حتى تستمر بتقديم خدماتها للسكان.
محمد مسالمة، صاحب مطعم صفيحة، يقول لعنب بلدي، “رفعت سعر القطعة من 50 إلى 65 ليرة لأنني أحصل على الغاز بسعره الحر وهذا زاد من كلفة الإنتاج”، مشيرًا إلى أن أسعار الفروج المشوي ارتفعت وبعض المطاعم أغلقت في الوقت الحالي.
وتشكل أزمات المحروقات المتفاقمة عبئًا واسعًا على السكان، خاصة وأنها أرخت بظلالها على قطاعات عدة، ومست بشكل خاص حياة المواطن في درعا، لا سيما بعد أن وصل سعر ليتر المازوت إلى 600 ليرة، علمًا أن سعره على البطاقة الذكية 250 ليرة في ظل عجز النظام عن حل تلك الأزمات.
كما أن الكميات التي وزعتها المجالس المحلية في المحافظة مع بداية فصل الشتاء لم تكن كافية، بعد أن خصصت لكل عائلة 100 ليتر من المازوت بسعر 200 ليرة لليتر الواحد خلال الفصل، بينما تحتاج كل عائلة لـ 100 ليتر شهريًا كحد أدنى خلال الشتاء.
ومع تفاقم تلك الأزمات، تراوح تصريحات المسؤولين وتحركاتهم مكانها، بلا مبشرات بانفراج قريب بحلها، فيما يبدو أن الحكومة عاجزة عن تخديم المحافظة، ولو بالخدمات الأساسية.