المنتخب.. صراع ما بين المبدأ والفطرة

  • 2019/01/11
  • 4:33 م

صورة من تكريم الحارس السوري إبراهيم عالمة بعد خروج المنتخب السوري من التصفيات المؤهلة لكأس العالم (إلياس فوتغرافي)

محمد عبد الستار إبراهيم

كم هي قاسية هذه الحرب، فالانقسام لا يكون فقط في المواقف السياسية، إنما يؤثر وبشكل سلبي جدًا على الحياة اليومية. الحرب في حياتنا اليومية تكون أكثر ضراوةً من على الجبهات، فاختلاف الآراء ينتقل بشكلٍ مقزز إلى داخل البيوت وبين الإخوة، وبين العاشقين والأصدقاء والزملاء، فكم وكم من الأشخاص تفرقوا بسبب اختلاف الآراء، لإننا وبكل أسف، نعيش في مجتمعٍ يتغنى ليل نهار عبر صفحات التواصل الإجتماعي بالمثل القائل “الاختلاف بالرأي لا يفسد للود القضية”.

ولكننا في المجتمع بعيدون كل البعد عن تطبيق هذا المثل، وكيف يكون الحال إذا اختلف الإنسان مع نفسه، وناقض روحه وكلامه وحتى مبادئه، فهنا تكون المصيبة أكبر، والوجع أشد، والصراع على مصراعيه.

ومن المفترض أن يكون أي منتخب في العالم رمزًا للوطن، ونقطة تجمع كل المنقسمين؛ لكن الحالة السورية كانت مختلفة حتى انقسمت الآراء ليس بين الناس فقط، إنما الانقسام تحول إلى صراع داخلي ما بين المبدأ والفطرة البشرية، وأنا واحدٌ من هؤلاء الذين يعيشون صراعًا مع الذات، صراع تناقضت فيه فطرتي مع مبدأي، ومثلي كُثر من المواطنيين السوريين الذين وقفوا مع الثورة وكانوا ممن صدحت حناجرهم بهتافات الحرية.

منذ البداية حاول الكثيرون من أبناء سوريا التفرقة ما بين النظام الحاكم ومؤسسات الدولة التي من المفترض أنها ملكٌ للشعب، إلا أن النظام حوّل كل ذلك إلى أدوات لصالحه للترويج والتلميع له، ولم ينج المنتخب الوطني من براثين النظام.

وتُعرف سوريا منذ أن وصل البعث لسدة الحكم في بداية الستينيات من القرن الماضي، بأنه من المستحيل توظيف أي شخص بمكانٍ ما إلا بتوصية ممن يمتلكون النفوذ، فحتى المنتخب كان يتم اختيار اللاعبين بحجم الواسطات التي يمتلكونها دون النظر لمهاراتهم الرياضية، وهذا الأمر ليس بعجب في دولة تغلغل الفساد والمحسوبيات في كل أراكانها حتى بلغ السيل الزبى.

ولم يتوان النظام للحظة في أن ينسب انجازات المنتخب لصالحه في مشاركته بتصفيات كأس العالم، ومشاركته الحالية في كأس أسيا، فالعلم الأحمر الذي يرفعه المنتخب هو علم النظام الذي قتل تحت رايته مئات الآلاف من الشعب السوري، ولم يتوان الكادر التدريبي للمنتخب في رفع صورة الأسد، أو توجيه الشكر والعرفان له في أثناء المقابلات الصحفية.

والنقطة الفارقة التي قلبت الطاولة رأسًا على عقب، حينما انضم لاعبون جدد للمنتخب كانوا محسوبين على الثورة نفسها، مبررين ذلك أن هذا المنتخب للشعب السوري لا لأي نظام سياسي حاكم، وبكل تأكيد كان ذلك مخالفًا لتصريحاتهم.

لم يقتصر الأمر على اللاعبين، إنما شمل مواطنيين آمنوا كل الإيمان أن هذا الإنجاز سيكون لسوريا في المستقبل، وسيسجل في ملفات الفيفا إنجاز لسوريا لا لبشار الأسد ونظامه. ربما ذلك منطقي إلى درجة كبيرة جدًا، ولكن في الوقت الراهن النظام يقدم نفسه على أنه صاحب الإنجاز، وكل المعطيات على الأرض تميل إلى ذلك، مع العلم أن المنتخب يفتقر إلى الدعم اللوجيستي والإمكانيات، فهم يلعبون ضمن نطاق فني وإداري شبه معدوم.

وفي كل هذه القوقعة التي نعيشها، لا يمكن أن يمنع السوري الموالي للثورة والمتمسك بهذا المبدأ أن يمنع نفسه من الفرح كلما تقدم المنتخب خطوة نحو التأهل، ولا يمكن أن يتصور السوري نفسه يفرح لخصم بلاده، فأي حال وصلت إليه الحالة السورية، وأي صراع يعيشه السوري مع نفسه، فمن جهة يفرض عليه مبدؤه أن يكون ضد النظام بكل المجالات وكل ما يروج للنظام الذي هجر وقتل ودمر وشرد السوريين، ومن جهة أخرى الفطرة البشرية التي خلقنا الله عليها.

لا أدري إذا كانت هذه الحالة صحية أم لأ، ولكننا قريبون جدًا من مرض نفسي جراء سياسة ذاك الأرعن القابع على كرسي الرئاسة في سوريا، فما فعله يثبت بكل وضوح أنه وريثٌ قاصر.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي