الصحفي ليس قاضيًا.. تشهير وذم في إعلام حلب

  • 2018/11/18
  • 11:26 ص

جولة وزير الداخلية محمد الشعار في حلب- 5 من تشرين الثاني 2018 (فيس بوك)

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بما وصفته وسائل الإعلام السورية الرسمية والمحلية بـقضية “الموظف المختلس” في حلب، الذي اكتشفه وزير الداخلية في حكومة النظام، محمد الشعار، في أثناء جولته على إحدى الدوائر الحكومية في حلب.

في 7 من تشرين الثاني الحالي، انتشر تسجيل للشعار وهو يؤنب مندوب نقابة الأطباء في فرع المرور في حلب، بسبب تقاضيه 50 ليرة سورية زيادة عن سعر التقرير الطبي، وطلب إحالته إلى القضاء المختص للمحاسبة.

جولة الوزير، الأقرب إلى الاستعراضية منها إلى التفقدية، تمت بمرافقة بعض الإعلاميين الموالين للنظام، الذين أطلقوا الحكم مباشرة على الموظف بأنه مختلس المال العام قبل التحقيق معه وصدور أي قرار قانوني بحقه، لتبدأ التساؤلات حول من يعيد الاعتبار للموظف الذي شُهر به إعلاميًا، خاصة بعد تبرئته من “الاختلاس”، لأن الزيادة التي كان يتقاضاها كانت قانونية، بحسب ما قالت نقابة أطباء حلب.

الصحفي لا يصدر أحكامًا

قضية التشهير هذه لم تكن الأولى، وإنما تزخر السنوات الماضية بجرائم التشهير الإعلامي التي ارتكبت عن طريق تصوير أشخاص أو نقل أسمائهم الكاملة وإطلاق أحكام ضدهم بالفساد والإجرام قبل محاكمتهم من قبل جهات مختصة، ما يمس كرامتهم واعتبارهم.

مراسلة قناة “سما” الفضائية في مدينة حلب كنانة علوش، نشرت في 31 من تشرين الأول الماضي، تسجيلًا يظهر مقابلة مع شخص ألقت الشرطة القبض عليه بتهمة قتل طفل، وأطلقت الإعلامية الموالية حكم “المجرم المعتدي” على الشخص مباشرة قبل التحقيق معه من الجهات المختصة بذلك، في حين وجه الإعلامي الموالي شادي حلوة الشتائم إليه، في تسجيل نشره عبر صفحته في “فيس بوك”.

وتكرر هذا السلوك بشكل واسع في حالات الجرائم والانتهاكات الجنائية في حلب، وتذكر هذه التغطيات ببرنامج “الشرطة في خدمة الشعب” الذي كان يعرض على التلفزيون السوري لسنوات طويلة، ويقوم على لقاء المذيع علاء الدين أيوبي بمساجين للحديث عن تنفيذ جرائمهم (سرقة، قتل).

وكان البرنامج محط جدل بين من يقول إنه ينتهك حرمة الضحايا والجناة ولا يحترم مصالح ذوييهم، وبين من يرى فيه ضرورة لتسليط الضوء على المجرمين والفاسدين والتشهير بهم من أجل ردع المواطنين.

في حين ترى الخبيرة الصحفية والمستشارة لدى منظمة “FPU” الإعلامية الدولية، الدكتورة منى مجدي، أن البرنامج لا يتوافق مع المعايير المهنية للإعلام كون اللقاء كان يتم مع أشخاص لم يصدر الحكم بحقهم بعد، وإنما لا يزالون متهمين وفق القاعدة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.

مجدي قالت إن الإعلامي يجب أن يكون محايدًا، وألا يكون طرفًا ويطلق حكمًا على شخص بأنه فاسد أو متهم، فالإعلامي ليس له علاقة بالحكم وليس قاضيًا ليطلق التهم جزافًا، لأن هناك جانبًا قضائيًا هو من يتابع ويتحرى إن كان الشخص مجنيًا عليه أو جانيًا.

وأضافت المستشارة الإعلامية أن الإعلامي يجب أن يتوخى الحرص بنشر المعلومات التي لا تعرّض سمعة الآخرين للتشهير أو مس كرامتهم، وحتى لو كان الشخص فاسدًا ومذنبًا، فليس من حق الإعلامي أن يصدر الحكم، ومهما كانت هناك حرية للصحافة إلا أن هناك حدودًا تتعلق بالحفاظ على سمعة الآخرين.

وأشارت إلى أن المهنية الإعلامية تتطلب عدم ذكر اسم الشخص في وسائل الإعلام حتى لو كان فاسدًا، وإنما يشار بأحرف اسمه الأولى فقط، لأن ذلك سيؤدي إلى تعريض أسرته للإساءة ويهدر كرامة كل الأطراف المحيطة به، وبالتالي ستبقى وصمة عار بحق الشخص المشهر به حتى لو عاد لاحقًا إلى الطريق السليم.

وإلى جانب ذلك، قد يلعب تدخل الإعلام في قضية ما قبل بت الحكم فيها، بالتأثير على حكم الرأي العام تجاه المشتبه به بأنه متهم ومجرم قبل محاكمته فعليًا حتى لو ثبتت براءته لاحقًا.

وأوضحت مجدي أن التغطية الإعلامية لتبرئة الشخص لا توازي الحملة الخاصة بالتشهير به، وهذا ما حصل مع الموظف الذي اتهمه وزير الداخلية السوري بالاختلاس.

غرامة مالية وحبس عقوبة التشهير

أما من الناحية القانونية، فتوجد قوانين تتعلق بالتشهير الإعلامي تعاقب بالحبس أو الغرامة أو كليهما لمن ينشر معلومات تسيء للشخص أو سمعته وتهدر من كرامته.

وورد في قانون العقوبات السوري مواد خاصة بالتحقير وهي المواد 373و374، والمواد المتعلقة بالذم هي375 و376 و377، ويعاقب صاحب الذم وفق المادة 376 بـ “الحبس سنة على الأكثر إذا وجه (الذم) إلى المحاكم أو الهيئات المنظمة أو الجيش أو الإدارات العامة، أو وجه إلى موظف ممن يمارسون السلطة العامة من أجل وظيفته أو صفته، في حين يعاقب بالحبس ثلاثة أشهر على الأكثر أو بغرامة 100 ليرة إذا وقع على أي موظف آخر بسبب وظيفته أو صفته”.

وبحسب المرسوم التشريعي الصادر في أيار 2017، والخاص بالنظام الداخلي لرئاسة مجلس الوزراء، فإن رئيس المجلس ونوابه والوزراء، مسؤولون مدنيًا وجزائيًا وفقًا للقانون، ويحدد القانون إجراءات محاكمة أعضاء المجلس عما يرتكبه أي منهم من جرائم أثناء توليه مهامه أو بسببها”.

لذلك يمكن لأي موظف أسهم الوزير في تشويه سمعته أن يرفع دعوى تشهير وذم بحق الوزير، وفقًا للقانون، لكن هذا الخيار قد يكون خطرًا أمنيًا في بلد كسوريا، فعلى الرغم من اتخاذ حكومة النظام والوزراء والإعلام الرسمي منهجية جديدة خلال الأشهر الأخيرة تركز على ما تصفه بمحاربة الفساد في مؤسسات الدولة، تحتل سوريا المركز قبل الأخير في قائمة ترتيب النزاهة العالمي، وفق تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر في شباط الماضي، عن العام 2017.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع