عنب بلدي – خاص
تمر محافظة إدلب بمرحلة قد تكون “الأصعب” في الوقت الحالي على المستويين السياسي والأمني، وتقف أمام تهديدات من قبل قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، وما ستؤول إليه التفاهمات الروسية- التركية حولها، كونها منطقة مشمولة باتفاق “تخفيف التوتر” في “أستانة”.
لم تنقطع التحليلات والتساؤلات عن المصير الذي ستؤول إليه محافظة إدلب في الأيام المقبلة، وحتى اليوم تندرج جميعها في إطار التخمينات، دون التوصل لرؤية واضحة عن المستقبل الجديد الذي سيقبل عليه المدنيون فيها، إلى جانب الفصائل العسكرية، وأبزرها “هيئة تحرير الشام”.
واستقدمت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها في الأيام الماضية تعزيزات إلى محيطها، كخطوة تنذر ببدء عملية عسكرية مرتقبة، وتزامن ذلك مع مناشير ألقاها الطيران المروحي فوق عدة مناطق طالبت الأهالي القاطنين فيها بضرورة الانخراط في “المصالحة” مع النظام السوري.
كل ذلك سبقته تصريحات روسية اعتبرت فيها أنها ليست بصدد بدء أي عملية عسكرية، وعولت على فصائل “المعارضة المعتدلة” في حل ملف “تحرير الشام” بمساعدة الأتراك، ما يجعل مصير المحافظة، التي تعتبر الخزان البشري الأكبر في سوريا، ضبابيًا بين تهديدات من قبل الأسد وتحركات من قبل “الدول الضامنة”، لا يعلن عنها بشكل رسمي وتبقى خلف الأبواب.
القصف ردًا على اعتقال “عرابي المصالحة”
مرت إدلب في الأيام التي تبعت سيطرة قوات الأسد على الجنوب السوري بالكامل بعدة تطورات، كان أبرزها في 10 من آب الحالي، إذ تعرضت عموم المناطق فيها لقصف جوي مكثف من الطيران الحربي والمروحي، قتل فيه أكثر من 15 مدنيًا إلى جانب أكثر من 25 في بلدة أورم الكبرى بريف حلب الغربي، بعد استهداف الأحياء السكنية بشكل مركز.
القصف المفاجئ فتح باب التساؤلات عن أسبابه، خاصًة أنه تزامن مع استقدام عشرات الآليات العسكرية ومدافع الميدان إلى ريف حماة الشمالي، وتحدثت شبكات موالية، بينها “موقع مراسلون” وشبكة “دمشق الآن” أن “معركة إدلب ستبدأ في الأيام المقبلة، وقرارها قد اتخذ”.
وقال قيادي في “الجيش الحر” إن القصف جاء ردًا على الحملة الأمنية التي بدأتها “هيئة تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير” في الأيام الماضية، والتي اعتقلت فيها العشرات من الشخصيات المرتبطة بالنظام السوري.
وأوضح القيادي لعنب بلدي (طلب عم ذكر اسمه) أن ترتيبات كان يجهز لها لخروج مظاهرات مؤيدة للنظام السوري في الأيام المقبلة في منطقة شرق التمانعة، وعلى إثرها ستتقدم قوات الأسد إليها بحجة أن الشعب يريد ذلك.
لكن العملية الأمنية لـ “الجبهة الوطنية” و”تحرير الشام” قطعت الطريق على هذه الخطة، واعتقلت رؤوس المصالحات، من بينهم ابن أخ أحمد الدرويش، المعروف بعلاقته القوية مع النظام السوري، والذي ينحدر من قرية أبو دالي في الريف الشرقي لحماة.
وفي حديث مع الناطق الرسمي باسم “الجبهة الوطنية”، ناجي المصطفى، قال إن الحملات الحالية جاءت بعد معلومات أمنية بشأن وجود بعض الشخصيات التي تروج للمصالحة مع النظام السوري، وتسهّل دخوله إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية في محافظة إدلب.
وأضاف لعنب بلدي أنه تم إلقاء القبض على كثيرين منهم، بعد الحصول على أدلة حول تورطهم بالتواصل مع النظام السوري.
واعتبر المصدر الذي نقل عنه المراسل أن النظام السوري لا نية له في الهجوم على أي منطقة تتبع للمعارضة السورية في الشمال، مشيرًا إلى أن “الدول الضامنة” وخاصة روسيا وتركيا ناقشت، أمس الجمعة، أسباب القصف الذي بدأه النظام، وردت عليه فصائل المعارضة في عدة مناطق بريف حماة وريف حلب الغربي.
وتتخوف الفصائل العاملة في إدلب من سقوط المناطق في الشمال، بموجب اتفاقيات “تسوية” مع النظام، والذي يروج حاليًا لها كخطوة “سليمة” يستعيد فيها مناطقه بأقل الخسائر العسكرية.
وأوضح المصدر أنه يوجد أمر للقوات التركية بالوجود في مقدمة جبهات فصائل “الجيش الحر”، لصد أي هجوم يحصل من قبل قوات الأسد، واستند في الحديث المذكور على اجتماع جمع فصائل “الجيش الحر” مع النقطة التركية في منطقة الصرمان، لافتًا “لا توجد أي خطة من قبل القوات التركية للانسحاب من مواقعها”.
حركات نزوح
وبين التهديدات التي أطلقتها قوات الأسد والقصف الجوي المفاجئ، يتخوف المدنيون في إدلب وريف حماة من بدء عملية عسكرية على قراهم وبلداتهم، ما دفع قسمًا منهم، وخاصة القاطنين في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، للنزوح إلى المناطق الأكثر أمنًا.
“منسقو الاستجابة في الشمال” أصدروا بيانًا، في 11 من آب الحالي، قالوا فيه إن عائلات بلدة التح بريف إدلب نزحت بالكامل إلى المناطق المحيطة، علمًا أنها تحوي نازحين من التمانعة وريف حماة الشرقي، كما نزحت عشرات العائلات من بلدة التمانعة، والتي لم يبقَ فيها سوى 5 إلى 10 بالمئة من قاطنيها.
ولم يقتصر النزوح على الريف الجنوبي لإدلب، إذ امتد إلى ريف حماة الشمالي من مدينة كفرزيتا، التي نزح قسم من سكانها إلى المخيمات، والقسم الآخر إلى مدينة خان شيخون.
وأشار “منسقو الاستجابة” إلى أن عددًا كبيرًا من العائلات النازحة من البلدات والقرى تقيم حاليًا تحت الأشجار، بانتظار عودة الهدوء النسبي إلى قراها.
وتحوي محافظة إدلب أكثر من أربعة ملايين من المدنيين، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، التي تجري التحضيرات اللازمة لمعركة متوقعة من جانب قوات الأسد.
وكانت كل من تركيا وإيران وروسيا، في بداية آب الحالي، اتفقت على تمديد اتفاق “تخفيف التوتر” الخاص بمحافظة إدلب في الشمال السوري، شرط توقف الهجمات التي تستهدف قاعدة حميميم بريف اللاذقية.
وأعلنت روسيا، نهاية تموز الماضي، أنها لا تنوي القيام بعملية عسكرية في إدلب حاليًا، وربطت مصير المحافظة بتركيا وفصائل المعارضة “المعتدلة”، وفي وقت سابق، حذرت تركيا من أي هجوم عسكري لقوات الأسد على مناطق المعارضة في الشمال السوري، ملوحة بانهيار اتفاق جنيف.
مصعب الأشقر، عضو مجلس محافظة حماة الحرة، قال لعنب بلدي إن الشارع بريف حماة وخاصة الغربي يشهد قلقًا وتوترًا شديدًا فيما يتعلق بمصير المنطقة في الفترة المقبلة.
وأضاف أن مئات العوائل غادرت المنطقة متجهة للشريط الحدودي مع تركيا، خوفًا من “بطش النظام” وتقدمه، لا سيما بعد القصف المكثف التي شهدته قرى وبلدات ناحية الزيارة مؤخرًا.
تطمينات تركية
الناشط السياسي عبد القادر بركات، وهو أحد النازحين من قرية الرملة في سهل الغاب، اعتبر أن قوات الأسد تلجأ إلى التهديدات، كونها عاجزة عن اقتحام محافظة إدلب.
وقال البركات لعنب بلدي إنه التقى مع الضابط المسؤول عن النقطة التركية في جبل شحشبو مع مجموعة من المدنيين، وأبلغهم أنهم موجودون لمنع النظام السوري من التقدم، مؤكدًا أن “تهديدات النظام عبارة عن حرب نفسية إعلامية لترويع الأهالي، وسيبدؤون بإنشاء مخافر في جميع المناطق في الأيام المقبلة”.
ولم تحدد تركيا موقفها من تهديدات قوات الأسد ببدء عمل عسكري في الأيام المقبلة، وقلّت تصريحاتها حول إدلب منذ بدء الانتخابات الرئاسية، لكنها تستمر حتى اليوم بتعزيز نقاط المراقبة لها بكتل إسمنتية، وكان قد سبق الأمر تركيب أبراج اتصالات وإرسال آليات عسكرية.
من جانبه، عبر حاتم الجابر، من نازحي قرية الحاكورة بريف حماة، عن تخوفه من اقتحام قوات الأسد لإدلب ومحيطها، بعد سيطرتها على الجنوب السوري بالكامل.
وقال نقلًا عن الضابط التركي المذكور سابقًا إن تركيا تمسك بمصير قرى الريف الحموي، وسيتم وضع مخافر فيها مستقبلًا، وبحسب الضابط ستنشأ منطقة منزوعة السلاح في سهل الغاب أقرب للمناطق “المحررة”، بعرض عشرة كيلومترات وطول 30 كيلومترًا.
وأوضح الضابط التركي أن الأهالي سيعودون إلى قراهم التي سيطر عليها النظام سابقًا في سهل الغاب بحسب اتفاق “أستانة”، وأن خط الفصل بين فصائل المعارضة وقوات الأسد هي القناة الغربية لنهر العاصي.