عنب بلدي – رهام الأسعد
حين نزحت إسلام (25 عامًا) من بلدتها في ريف دمشق إلى معقل المهجرين في الشمال السوري، حاولت جاهدة تجاوز مشكلة الأوراق الثبوتية، التي أصبحت واقعًا “مرًا” على السوريين أينما حلّوا، فابنتها التي ولدت في إدلب تمكنت “لحسن الحظ” من إدراج اسمها في قائمة مدنية ضمت مواليد المهجرين والنازحين إلى إدلب.
ولكن.. لماذا تسعى إسلام لتثبيت اسم ابنتها في السجلات المدنية التابعة لحكومة النظام السوري؟
دائرة مدنية تجمع المهجرين
بقيت مشكلة الأوراق الثبوتية محط جدل في الحياة المدنية المتقلبة في سوريا على مدى السنوات السابقة، لكن تداعيات المشكلة تفاقمت في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، مع غياب فاعلية المؤسسات المدنية المعترف بها هناك، فضلًا عن فقدان المهجرين والنازحين لأوراقهم الثبوتية وصعوبة استصدارها في حالات كثيرة.
في ضوء تلك الأزمات، أسست مديرية الشؤون المدنية في وزارة الداخلية التابعة لـ “حكومة الإنقاذ” دائرة نفوس لتسجيل الواقعات والأحوال المدنية الخاصة بالنازحين والمهجرين إلى عموم محافظة إدلب، أطلق عليها اسم “أمانة المهجرين” وذلك للحفاظ على أنساب المهجرين وممتلكاتهم، وفق ما قال معاون وزير الداخلية في “حكومة الإنقاذ”، طلال زعيب.
زعيب أضاف، في حديث إلى عنب بلدي، أن دائرة السجل المدني للمهجرين في إدلب سجّلت قرابة 900 حالة ولادة بين المهجرين منذ تأسيسها، مشيرًا إلى أن الإجراءات المتبعة لتسجيل المواليد تقضي بتوثيق الولادة لدى أقرب مختار محلي وذلك بحضور شاهدين، ثم إحضار شهادة ولادة مختومة من قبل الطبيب أو القابلة، وتقديمها إلى أمانة المهجرين لتثبيتها في السجلات المدنية، وإدراجها على دفتر العائلة الخاص بالعائلة المهجرة.
وأوضح زعيب أن دائرة النفوس تقوم بتسجيل جميع واقعات الولادة من عمر يوم واحد وحتى السنة، إلا أنه في حال تجاوز المولود عمر السنة يجب على ذويه أن ينظموا ضبطًا في قسم الشرطة قبيل تسجيله في النفوس، أما في حال تجاوز عمره السبع سنوات فلا يمكن تثبيته رسميًا في السجلات إلا بموجب قرار لجنة مختصة.
وعن الصعوبات التي تحكم عمل “أمانة المهجرين”، قال معاون وزير الداخلية إنها تقتصر بشكل أساسي على عدم امتلاك المهجرين لوثائق تثبت شخصيتهم، أو أن إحدى هذه الوثائق محتجزة لدى النظام السوري، بالإضافة إلى صعوبات مالية.
كانت “أمانة المهجرين” في إدلب تابعة إداريًا للحكومة السورية المؤقتة، لكن “حكومة الإنقاذ”، التي تشكلت نهاية عام 2017، سحبت الملف منها، وفرضت نفسها بتسمية وزرائها وبدأت بتسلم زمام المنطقة إداريًا وخدميًا.
وتتهم “حكومة الإنقاذ” بأنها مدعومة من “هيئة تحرير الشام” ما جعلها تفتقر للحاضنة الشعبية. |
لكن أكثر المشكلات تعقيدًا هي عدم امتلاك وزارة الداخلية التابعة لـ “حكومة الإنقاذ” بيانات كاملة عن المهجرين والنازحين إلى إدلب، الذين تجاوز عددهم 1.16 مليون شخص، وفق أرقام منظمة الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
وتعليقًا على ذلك، قال طلال زعيب إن الوزارة تسعى لحل هذه المشكلة عبر استمارة يطلق عليها اسم “استمارة مهجر”، ويمكن من خلالها إجراء إحصاء كامل لعدد المهجرين إلى إدلب، وفتح سجل مدني لكل شخص منهم.
ما مدى الاعتراف بتلك الأوراق؟
لا ينحصر عمل “أمانة المهجرين” على تسجيل واقعات الولادة فقط، إذ يندرج ضمن مهامها تسجيل جميع الواقعات المدنية، وأهمها: تثبيت الزواج والطلاق، ومنح بطاقات أسرية للمرة الأولى ومنح “بدل ضائع”، وتسجيل الوفاة.
وبحسب الأرقام الصادرة عن “أمانة المهجرين”، تم تثبيت 1300 واقعة زواج، و300 واقعة وفاة بين المهجرين، فضلًا عن منح 1100 بطاقة أسرية لهم.
ولم تستطع وزارة الداخلية التابعة لـ “حكومة الإنقاذ” حل معضلة منح البطاقات الشخصية (الهوية)، سواء للمهجرين أو النازحين أو أبناء المنطقة نفسها، حتى الآن، كما هو الحال في جميع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
ومع ذلك لا يمكن إنكار أهمية الخطوة التي تم التوصل إليها في مسألة تسجيل المواليد الجدد في إدلب، لكن الإشكاليات لا تزال تحوم حول المؤسسات المدنية التابعة للمعارضة السورية، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف الرسمي بالوثائق التي تمنحها، إذ إن الاعتراف بتلك الوثائق غالبًا لا يتعدى حدود محافظة إدلب نفسها.
تقول إسلام، التي هُجرت من مدينتها داريا عام 2016، إنها سجلت ابنتها (ثمانية أشهر) في السجلات المدنية بمدينة إدلب وحصلت بموجب ذلك على دفتر عائلة، مشيرة لعنب بلدي إلى أن إجراءات التسجيل ليست معقدة، ومع ذلك تسعى إسلام إلى تثبيت اسم ابنتها في السجلات المدنية التابعة للنظام السوري.
وتابعت، “الأمر لا يتعلق بمؤيد أو معارض، الجميع يعلم أن الأوراق الثبوتية الصادرة عن النظام السوري هي المعترف بها أينما ذهبنا”، وأردفت “دفتر العائلة الذي حصلت عليه من أمانة المهجرين لن أستفيد منه بشيء إذا خرجت من إدلب”.
لكن معاون وزير الداخلية في “حكومة الإنقاذ” قال لعنب بلدي إن تلك الوثائق تتمتع بـ “قوة كاملة” لتحديد صلة القرابة في جميع مناطق المعارضة السورية، خاصة لدى الجهات القضائية والجمعيات والمنظمات المدنية، وأضاف أن تركيا تأخذ بها في إجراءات لم الشمل العائلي، وكذلك يؤخذ بهذه الأوراق في السعودية خلال التقديم على أداء مناسك الحج أو العمرة.
وختم بقوله، “النظام السوري لا يعترف بهذه الوثائق في مناطقه، لطالما استخدم الوثيقة المدنية سلاحًا ضد المواطنين المعارضين له”.