عنب بلدي – خاص
تترقب محافظة إدلب ما ينتظرها بعد الانتهاء من نشر نقاط المراقبة بموجب اتفاق “تخفيف التوتر”، وما تبعه من تطورات أبرزها التحركات العسكرية الداخلية من قبل الفصائل العاملة فيها.
وتمثلت التحركات بـ “سباق عسكرة” دار بوتيرة متسارعة، فبينما أعلنت فصائل “الجيش الحر” الاندماج وتشكيل جسم جديد بمسمى “الجبهة الوطنية للتحرير”، تحركت “هيئة تحرير الشام” على الجانب الآخر، وأعلنت فتح باب الانتساب إلى صفوفها لتخريج دفعات جديدة من المقاتلين في الشمال.
ولم تكتف “تحرير الشام” بذلك، بل كانت لها مواقف جديدة تجاه الدور التركي، واعتبرت العلاقة مع تركيا مستمرة ومتوازنة بما يحقق الأمن والاستقرار، وهو ما يخالف الموقف السابق الذي أكدت فيه عداءها الكامل للحكومة التركية التي تدعم فصائل “درع الفرات”.
كسب المستقبل
اعتبرت محادثات “أستانة” في نسختها التاسعة النقطة الفارقة في مشهد المحافظة، كونها أكدت على الاستمرار باتفاق “تخفيف التوتر” وحماية المناطق التي اتفقت عليها الدول الضامنة، كما دار الحديث فيها عن مراحل الانتقال من “تخفيف التوتر” إلى وقف شامل لإطلاق النار.
وعقب البيان الختامي للمحادثات، أعلن الروس نشر 17 نقطة مراقبة مشتركة مع إيران في محيط إدلب، مقابل النقاط التركية البالغ عددها 12، وهو ما تم ترجمته إلى ترسيم حدود المنطقة في الشمال للانتقال إلى الخطوة اللاحقة المرتبطة بالحياة المدنية والعسكرية “المستقرة”.
ويعول على تركيا اليوم في تنظيم المرحلة المقبلة للمحافظة خاصة الواقع الخدمي والحياة المدنية والهيكلية العسكرية، بنفس السيناريو المطبق في مناطق “درع الفرات” بريف حلب الشمالي، ما يدفع الأطراف العسكرية لكسب “ودها” للاستحواذ على مستقبل المحافظة.
وكان لتركيا الدور الأكبر في تشكيل “الجبهة الوطنية للتحرير”، والتي تتلقى دعمًا عسكريًا وماليًا أساسيًا منها، وتحاول من خلالها البدء بهيكلية عسكرية جديدة لإدلب.
وفي شباط الماضي، حصلت عنب بلدي على معلومات أفادت بأن تركيا تسير في رسم هيكلية عسكرية جديدة لفصائل إدلب، على غرار مناطق “درع الفرات” شمالي حلب.
وقالت ثلاثة مصادر عسكرية لعنب بلدي حينها إن فصائل “الجيش الحر” العاملة في محافظة إدلب تلقت من الحكومة التركية دعمًا ماليًا بديلًا عن الدعم الأمريكي، في خطوة لتشكيل “جيش وطني” جديد بعد نشر نقاط المراقبة التركية.
“تحرير الشام” تنقلب لكسب “الود”
أمام الواقع المفروض حاليًا، كان لا بد لـ “تحرير الشام” من تبديل مواقفها السابقة، خاصة المتعلقة بالجانب التركي، الذي تحاول كسبه حاليًا من جديد، ليكون لها دور عسكري وآخر مدني في المرحلة المقبلة التي يدور الحديث عنها.
تبديل المواقف كان انقلابًا وتناقضًا في الخطاب العسكري والسياسي، وبينما أكدت “الهيئة” في السنوات الماضية رفض التدخل التركي في إدلب، مهدت حاليًا لضرورة التقرب من التدخل باعتباره نقطة إيجابية في صالحها.
وقال مسؤول إدارة الشؤون السياسية في “الهيئة”، يوسف الهجر، إن “الروابط التاريخية المشتركة بين الشعبين المسلمين التركي والسوري لها امتداد عميق بعمق التاريخ نفسه”.
وأضاف في حوار مع موقع “الجزيرة نت” أن أبرز تجليات الروابط المشتركة ما حصل خلال سنوات الثورة السورية، إذ شكلت تركيا عمقًا حقيقيًا لها، رغم تبدل مواقفها السياسية، عدا عن احتضانها لملايين اللاجئين السوريين وصون كرامتهم.
وكانت “تحرير الشام” هاجمت تركيا وفصائل “الجيش الحر” في خطب صلاة الجمعة بمساجد مدينة إدلب وريفها، أيار العام الماضي.
ووصفت الخطب حينها الفصائل بـ “العلمانية” التي تريد تسليم “بلاد الشام” للنظام والتآمر معه.
لكن بحسب تصريحات الهجر الجديدة، يطابق موقف “تحرير الشام” من نقاط المراقبة التركية موقف الثورة السورية منها لتحقيق مصالح عليا.
وقال “نحن من أسهم بإدخالها وتثبيتها، وقد أفشلنا أصحاب الثورة المضادة الذين أرادوا أن يحصل اصطدام بين الثورة وحليفتها حين وضعوا الجانب التركي أمام اتفاق دولي يفضي لوضعهم نقاط مراقبة”.
وكون الهيئة الفصيل الأكبر في الساحة السورية، أوضح المسؤول “كان عليها أن تكون هي المعنية بالأمر، فبعد المشاورات الشورية والشرعية وأصحاب الرأي والحكمة، اتخذنا هذا القرار، واستطعنا الحفاظ على خيارنا الثوري، إضافة إلى تقوية الحليف التركي”.