السويداء – نور نادر
على خلاف حالة الصمت السائدة في أغلب الدوائر الحكومية السورية، تشهد بعض مقرات المؤسسات في محافظة السويداء غليانًا داخليًا ناجمًا عن رفض أغلبية سكان المحافظة سطوة النظام، وتحكّم العسكريين، والسلطة المطلقة التي يفرضها المسؤولون المقربون من النظام.
تلك الحركة انعكست مؤخرًا في أروقة فرع نقابة المحامين في السويداء، والتي سعت لإخضاع اثنين من محاميها لجلسة تأديبية بعد انتقادهما سياسات النقابة في السكوت عن الاعتقالات التي ينفذها النظام في صفوف المحامين، الأمر الذي دفع أحد المحاميَين المقصودَين بالتأديب، وهو مهند بركة، إلى الخروج عن صمته مجددًا، وفتح باب الجدال حول الموضوع في مواقع التواصل الاجتماعي.
وكتب بركة، عبر صفحته في “فيس بوك”، “إذا كان الخروج عن آداب وأخلاق مهنة المحاماة يعني الدفاع عن الحريات وسيادة القانون ورفض الاعتقال التعسفي وممارسات الأجهزة الأمنية، وتحديدًا اعتراضنا على خرق القانون والدعس عليه باعتقال أحد زملائنا المحامين، فأنا أقر بما جاء في قراركم”.
مجلس تأديبي
القرار الذي تحدث عنه بركة هو ذاك الصادر عن مجلس الفرع في آذار الماضي بحق المحاميَين بالتنحي عن النظر بالشكوى التأديبية المقامة ضدهما، وإحالة الموضوع إلى مجلس النقابة المركزية ليصار إلى تشكيل مجلس تأديبي للنظر في هذه الشكوى، وفقًا للمادة 91 من قانون “تنظيم مهنة المحاماة”.
وبحسب ما ورد في القرار، فقد تنحت اللجنة التأديبية المنبثقة عن مجلس الفرع عن النظر في الشكوى لكنها في نفس الوقت ناقشت حيثيات الشكوى في متن القرار، ما دفع المحامي مهند بركة إلى اتهام المجلس بـ “الجهل بالقانون” لأنه، على حد تعبيره، القاضي الذي يتنحى عن النظر في دعوى ما يجب أن يمتنع عن إبداء الرأي فيها لا أن يبحث في موضوعها، على عكس ما جاء في القرار.
واعتبر المحامي بركة أن ما صدر عن مجلس النقابة “القصد منه توجيه الإهانة والشتيمة”، وهو جريمة “قدح وذم” في القانون في إشارة إلى نيته باللجوء إلى القضاء للبت بها.
وتعود الشكوى المقدمة ضد المحاميَين إلى تشرين الثاني من العام الماضي، عندما كتبا منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، انتقدا فيها فرع السويداء للنقابة الذي أرسل تعميمًا إلى محامي المحافظة للمشاركة في تشييع أحد ضباط النظام، بينما لم يتخذ المجلس أي إجراء عندما اعتقل أمن النظام زميلًا لهما وتم التحقيق معه عاريًا.
نقابة محامين “فوق الدستور”
أثار القرار جدلًا كبيرًا بين المحامين في السويداء، إذ اعتبر البعض أن النقابة ما زالت مرتبطة بـ “حزب البعث” رغم إلغاء المادة الثامنة من الدستور، لكن ثمة مواد عدة مرتبطة بهذه المادة في قانون المحاماة لم يتم إلغاؤها، وهي مربط فرس موالي النظام.
تنص المادة 3 من القانون 39 لتنظيم مهنة المحاماة أن “نقابة المحامين تنظيم مهني اجتماعي مؤمن بأهداف الأمة العربية بالوحدة والحرية والاشتراكية، وملتزم بالعمل على تحقيقها وفق مبادئ ومقررات حزب البعث العربي الاشتراكي وتوجيهاته”.
كما تعمل النقابة بالتنسيق مع المكتب المختص في فرع القيادة القطرية للحزب، إذ تعتبر المادة 37 من القانون ذاته أن اجتماعات الهيئة العامة للنقابة لا تكون قانونية إذا لم يحضرها ممثل عن ذلك المكتب.
ويشير الحقوقي خالد من مدينة السويداء (رفض الكشف عن اسمه الكامل لأسباب أمنية)، إلى أن تلك المواد تحسم الجدل بالنسبة لاستقلالية عمل النقابة.
ويضيف الحقوقي خالد لعنب بلدي أن نقابة المحامين، نتيجة إبقائها على القوانين الناظمة لعملها، فإن ذلك يحد من قدرتها على القيام بالعمل المنوط بها من ناحية حماية أعضائها.
الأمن والحزب
المحامي بركة تساءل في منشوره عبر “فيس بوك” عن الدور الحقيقي للنقابة، والتي يناط بها حماية حقوق المحامين وفق الفقرة /أ/ من المادة 78 من قانون “تنظيم مهنة المحاماة”، التي تحظر استجواب المحامي أو تفتيشه أو حجزه إلا بعد إبلاغ رئيس مجلس الفرع ليحضر أو يوفد من ينتدبه.
في حين اعتبر المجلس أن احتواء المنشور على عبارات مثل “تم إحالة فلان بأمر أمني” مخالف لأخلاق المهنة، إذ إن النقابة وبحسب المجلس لا تعمل بأمر أمني.
الحقوقي خالد أكّد لعنب بلدي أن نقابة المحامين “لا تستطيع حماية أحد، ومن الواضح ضمن قوانينها أنها ملتزمة بأوامر حزب البعث”، وأضاف متسائلًا “ما الفرق بين الأمر الحزبي والأمر الأمني؟”.
ويترك السجال الذي خلّفته انتقادات المحامي بركة تساؤلات حول مدى الثقة التي تتمتع بها فروع نقابة المحامين، في ظل توقعات بفتح الباب أمام المزيد من الأصوات المعارضة لسياسية النقابة، والتي ترفض الاستمرار بالصمت حيال سياساتها.