تشكل تجربة الكاتب الفرنسي الشهير أندريه جيد، في كتاب “حبيسة بواتييه”، مرجعًا غنيًا للصحفيين الراغبين بكتابة تقاريرهم ومقالاتهم بأسلوب أدبي.
جيد، الحاصل على جائزة نوبل، عمل كمحلف في محكمة جنايات مدينة رون الفرنسية عام 1912، وسمح له عمله هذا بالاطلاع على العديد من القضايا المريبة التي شكلت علامات استفهام كبيرة حولها.
جمع جيد في كتابه هذا الذي يُقدّم على شكل رواية كل ما تداولته الصحف عن حادثة حبس فتاة في مدينة بواتييه لأكثر من 25 عامًا، تنحدر من عائلة محترمة.
ويُضاف إلى الأخبار الصحفية، ما شهده بأم عينه أو سمع عنه في أروقة المحكمة، لكنه لم يتدخل بالأحداث أو يكتب بشكل إنشائي، إنما اكتفى بترتيب ما لديه من مراجع، وكتابتها بشكل سلس، حتى يحولها إلى عمل أدبي.
لكنه يحافظ بنفس الوقت على عنصر التشويق الذي تتمتع به الأعمال الأدبية، فحبس الفتاة في إحدى غرف منزلها لربع قرن، يجب أن يُدان عليه بشكل رئيسي كل من والدتها وأخيها، إلا أن البراءة كانت من نصيبهما في النهاية، لتأتي مهارة جيد الأدبية هنا بتحفيز القارئ للاستمرار في بحث جميع التفاصيل لمعرفة الطريقة التي نجا بها هؤلاء الجناة.
وما إن انتهت قصة “حبيسة بواتييه”، حتى أتبعها جيد بقصة أخرى حملت عنوان “قضية روديرو”، وهي قصة حقيقية أيضًا، تتحدث عن فتى بعمر 15 عامًا، مشهود له بسلامته العقلية، لكنه أقدم في أحد الأيام على قتل جميع أفراد العائلة التي يعمل لديها بالإضافة إلى خادمتهم، ليدخل القارئ في جولة أخرى مع جيد بحثًا عن خيط يساعده على فهم ما حصل.
الكتاب عمل مهم لمحبي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، ومناسب كذلك لقراء الأدب عمومًا، لكنه بالدرجة الأولى درس مهم للغاية في كتابة مواد صحفية مطولة تجذب القارئ إليها حتى آخر كلمة.