إدلب – طارق أبو زياد
“يوجد قصف هنا أيضًا، وقد استهدف المبنى بعدة قذائف، لكنها حتمًا ليست كالقصف في الغوطة”، يقول محمود السحار الواصل من الغوطة الشرقية لدمشق إلى جسر الشغور شمالي إدلب.
ومع وصول آلاف المهجرين من الغوطة الشرقية، توالت المبادرات الأهلية ومشاريع المنظمات المحلية لإيواء المهجرين مرحليًا، ريثما ينقلون إلى أماكن أكثر استقرارًا.
السحار هو مهجر من أصل 22 عائلة نزلت في مبنى بجسر الشغور، كانت قوات الأسد تستخدمه ثكنة عسكرية في أثناء سيطرتها على المنطقة.
وتشير إحصائية لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” إلى أن عدد مراكز الإيواء في إدلب وريفي حماة وحلب وصل إلى 168، تستوعب ما يزيد على 12700 عائلة من مختلف مناطق الغوطة الشرقية.
رواتب الموظفين لتأهيل المبنى
“مع بدء انطلاق الحافلات من داخل الغوطة الشرقية إلى النقطة صفر، الواقعة في قلعة المضيق بريف حماة، أعلنا حالة الاستنفار لتلبية احتياجات المهجرين، وهنا نبعت فكرة التبرع من رواتب الموظفين لترميم هذا البناء”، يوضح أحمد لولو، مدير مكتب “عطاء” للإغاثة في جسر الشغور، ومدير مشروع الترميم.
ويضيف لولو، “استطعنا جمع تسعة آلاف دولار تقريبًا، لتغطية تكاليف المشروع، وتوجهنا مباشرة إلى أحد المباني الواقع في منطقة جسر الشغور، وهو مؤلف من ثلاثة طوابق، وفي سباق مع الوقت تمكنا من تأهيل المبنى في ثلاثة أيام”.
كان المبنى سابقًا مأوى للعجزة، وبعد اندلاع الثورة حولته قوات الأسد إلى ثكنة عسكرية، وظل على هذه الحال حتى السيطرة على جسر الشغور، في نيسان 2015، لتستلم المبنى جمعيات مدنية محلية، أبرزها “جمعية البر”.
وبعد أشهر من تركه مهجورًا، أعادت المنظمة تأهيله وتزويده بألواح طاقة شمسية وبطاريات كهرباء للإنارة، لتصبح طاقته الاستيعابية 25 عائلة، مع التكفل بالمصاريف التشغيلية لثلاثة أشهر.
إياد النعسان مدير مكتب حماة في الجمعية، أشار لعنب بلدي إلى الأثر المعنوي لهذا المشروع، إذ إن “أغلب المشاريع تخضع للتسويق وللدراسة وإلى غيرها من الأمور الروتينية المملة والتي قد تأتي بالموافقة أو الرفض، ولكن هذا المشروع كان اختيارنا ولن نكن بحاجة إلى موافقة أحد لتنفيذه”.
بحاجة لخدمات طبية
عمر كتب، مهجر من الغوطة الشرقية، يقطن مع أسرته المكونة من 15 فردًا، يقول لعنب بلدي إن “أي مكان هو أفضل مما كنا نعيشه في الغوطة، فكنا في الأقبية الرطبة المزدحمة وخطر الموت يلاحقنا من كل جانب، خرجنا من الغوطة دون أن نخرج معنا أي شيء”.
لكن رغم ما تقدمه المنظمة، تبقى هناك مشكلة في نقص الخدمات الطبية وخاصة للأطفال خاصة مع المشاكل الصحية التي رافقتهم في أثناء الحصار، وفق ما أفاد عمر.
وتعرضت الغوطة الشرقية لحصار منذ صيف 2013، انتشرت خلالها أمراض جديدة، من بينها سوء التغذية الذي قتل عددًا من الأطفال، كما كانت تتعرض لقصف متكرر زادت شدته في الأشهر الأخيرة، ما خلف أكثر من ألف ضحية ومئات الجرحى.
يرى عباس العمر، ابن مدينة جسر الشغور، أن هذه المشاريع جيدة كحل إسعافي للمهجرين، ولكنها لا ترقى لتكون سكنًا دائمًا لهم.
ويعتبر أنه يقع على عاتق المهجرين، بالإضافة إلى المجتمع المضيف، السعي للخروج إلى مكان أكثر استقرارًا وإعادة بناء ما خسروه.
تؤوي محافظة إدلب 2.5 مليون نسمة بينهم أكثر من مليون نازح من مناطق أخرى، ومع وصول أكثر من 50 ألف مهجر من الغوطة الشرقية، تدور تساؤلات حول إمكانية استيعاب مزيد من المدنيين وتأمين أماكن لسكنهم وموارد تكفي لسد احتياجاتهم.