أورفة – برهان عثمان
تقر أم سمير (43 عامًا) بصعوبة حياتها، إلا أنها تحاول التعايش مع الواقع، وتبحث عن التفاؤل من خلال عودتها للعمل في دكان صغيرة لبيع المواد الاستهلاكية، مع بدء انتعاش اقتصاد مدينة دير الزور وعودة الحياة إلى أسواقها، وسط تخوف من احتكار بعض التجار للسوق.
وتقول السيدة لعنب بلدي إنها تتمسك بإعادة ما فقدته، موضحة أنها تعمل مع ثلاثة من أبنائها في الدكان، التي كانت مقفلة قبل أشهر، في ظل غياب المواد وحالة الحصار التي عانت منها بعض أحياء المدينة، وعلى رأسها الجورة والقصور لأكثر من ثلاث سنوات.
تعويض الخسائر المادية
عودة النشاط التجاري بعد فتح الطرقات ودخول المواد إلى دير الزور، التي سيطرت عليها قوات الأسد نهاية العام الماضي، أعاد دوران العجلة الاقتصادية في بعض أحيائها، وخاصة الجورة والقصور، كما تقول أم سمير، مضيفة “كل شيء مطلوب في السوق اليوم، وهناك فرصة كبيرة للاستثمارات”.
فترة تراها السيدة مناسبة لتعويض الخسائر المادية التي لحقت بأغلب السكان خلال السنوات الماضية، وخاصة من خلال الاستثمارات الصغيرة، طامحة إلى توسيع نشاطها الاقتصادي “أسعى لافتتاح محل للبيع بالجملة ومطعم أشرف عليه بنفسي”.
الثقة التي تبديها أم سمير ظهرت في كلام بعض العاملين بالتجارة، من القاطنين سابقًا والعائدين الجدد إلى المدينة، وفق أبو حسن (56 عامًا)، الذي يدير محلًا لبيع مستلزمات البناء.
ويقول لعنب بلدي إن المدينة بدأت تعج بالنشاطات التجارية المربحة، ما شجع العديد من الأشخاص على الدخول في هذا المجال، في محاولة تحسين مدخولهم المادي، معتبرًا أن عوائد التجارة جيدة، “لكنها تبقى محفوفة بالمخاطر خاصة في ظل التشبيح الأمني وتسلط بعض الميليشيات على الأهالي والتجار”.
ويتخوف أبو حسن من إمكانية فرض “أتاوات” على العاملين في التجارة، “ربما تصل لدرجة مشاركتهم في أرباحهم”، وفق تعبيره، لافتًا إلى أن “بعض الموظفين والمسؤولين يحاولون اليوم استغلال مناصبهم لممارسة التشبيح على التجار والاستفادة المادية.
كما يبدي خشيته من سيطرة بعض التجار على السوق واحتكارهم للسلع، “مع غياب فرص المنافسة العادلة باعتبارهم مدعومين أمنيًا ولهم علاقاتهم النافذة لدى النظام”.
“سباحة مع الحيتان”
يدير أبو علي (45 عامًا) أحد المكاتب العقارية في المدينة، ويقول لعنب بلدي إن دير الزور تعيش اليوم اقتصادًا ناشئًا يعج بالفرص والإمكانيات، إلا أنه يتحدث عن غياب التكافؤ ودعم النظام لبعض التجار، “ما جعل منهم حيتانًا يرفضون كل منافس ويستخدمون وسائلهم للتفرد”.
“حاجة الأهالي للحماية في وضع أمني شبه متفلت والفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة المسؤولة عن الرقابة والمحاسبة التجارية”، جميعها وجد فيها أبو علي عوائق أمام عمل من يسعون لتعويض خسائرهم من الأهالي.
ويقول بعض من تواصلت عنب بلدي معهم، إن العشرات من العاملين في دوائر النظام والمسؤولين في قطاعات البلدية والصحة والمالية وحتى التربية، “يحاولون استغلال الأوضاع الراهنة لتحقيق استفادة مالية مباشرة عن طريق الرشاوى ولقاء السمسرة والعمولات، ويفرض بعضهم أنفسهم كشركاء في الحركة التجارية”.
نشاط الحركة التجارية طال أغلب القطاعات: المواد الاستهلاكية، قطاع الخدمات والمواد الإلكترونية، بحسب أبو علي، الذي يشير إلى أن سوق العقارات “يبقى الأكثر ربحًا وحركة، كما أنه أنجح الأسواق والأضمن ربحًا والأقل مخاطرة”.
الأثر الإيجابي لحركة السوق انعكس على الجميع في المدينة، وبحسب أبو علي، فإنه يوسع نشاط التجار ويزيد أرباحهم ويخلق مجالًا للمنافسة، “وهذا قد يفيد الأهالي في حال تخفيض الأسعار والمضاربة”.
ويصف أهالي المدينة حجم الطلب اليوم بأنه “كبير جدًا على عكس حجم العرض الذي ما زال محدودًا”، متوقعين أن الوضع الحالي “سيستمر لفترة طويلة نسبيًا”.
لكن في ذات الوقت، يتمنى كثيرون التركيز على الاستثمارات المتوسطة وطويلة الأمد، “فأغلب العاملين في مجال التجارة يتجهون إلى الاستثمارات المؤقتة”، على حد وصفهم.
كما يرى البعض أن تراكم الأرباح وتوسع السوق، يفسح المجال أمام إعادة إعمار المدينة، معتبرين أن عودة الآلاف من أبناء دير الزور إلى مدينتهم، رغم مخاوفهم الأمنية، تؤكد أنها تستوعب الكثير من الطاقات في المجالات كافة.