منصور العمري
يستخدم المعتقلون في سوريا تعابير كثيرة لا نستخدمها في حياتنا اليومية، وتكاد تكون محصورة الذكر في الزنازين، وتحت الأرض. هي مفردات ابتكروها من رحم معاناتهم، لتأتي على أفضل تكوين وأبلغ تعبير، فهي تأتي بلا تكلف أو مراجعة أو قوافي.
هي مفردات معتقلة أيضًا، مثل أصحابها.
للحرمان من النوم مفردات خاصة به، منها “فَصَل” أي فقد اتصاله بالواقع وأصبح غير قادر على الأكل أو التواصل مع من حوله، ليفقد حياته بعد عدة أيام. تأتي هذه الحالة نتيجة للصدمة النفسية الأولية من طريقة الاعتقال الوحشية ثم التعذيب الشديد، وأخيرًا الحرمان من النوم.
ومفردة “تسييف” من اسم “السيف” والتي يستخدمها المعتقلون لوصف الطريقة التي يجبرون على النوم بها في معتقلات النظام السوري لاكتظاظ الزنانزين بأعداد غير منطقية من المعتقلين.
حيث يجب على المعتقلين النوم على جوانبهم لا ظهورهم، كسيف موضوع على حده. لا يخلو التشبيه من صفات مشتركة مع النوم على حد السيف. حيث يتخدر كتفك ويدك، وعندما تستيقظ تشعر وكأن جانبك مشلول.
يتعرض المعتقلون لواحدة من أشد طرق التعذيب تأثيرًا على جسد الإنسان وعقله، رغم أن المعتقلين لا يدركون تمامًا أنها طريقة تعذيب متبعة ومنهجية. حتى أن كثيرًا من المنظمات الحقوقية والناشطين لا يولون لهذه الطريقة الوحشية اهتمامًا أو دراسات كافيان.
الحرمان من النوم أثناء التحقيق
يؤدي الحرمان من النوم إلى تخفيض القدرات المعرفية والإدراك، وإضعاف فعالية الجهاز المناعي وزيادة قابلية الإصابة بالعدوى، والآفات الجلدية وعدم انتظام ضربات القلب وقد يفضي إلى الموت
يقول علماء النفس إن الحرمان من النوم يعبث بالقدرات المعرفية التي تسيطر عليها قشرة الفص الجبهي من الدماغ، ويولد عن غير قصد ذكريات كاذبة. وهو ما يستخدمه المحققون أثناء استجواب ضحاياهم. الاستجواب الذي يعتمد على الحرمان من النوم غالبًا ما يدفع الضحية إلى الإدلاء بذكريات كاذبة متماسكة تولدها أجزاء مبعثرة من الذكريات الحقيقية، واقتراحات أو استفسارات أو إيحاءات من المحقق.
هذا ما كان يفعله المحققون في المخابرات الجوية بالمزة مثلًا، حيث يعرضون المعتقل للشبح والحرمان من النوم بضربه ورش الماء عليه أثناء تعليقه، ثم إدخاله إلى المحقق لاستكمال التحقيق. كثيرًا ما أخبرني معتقلون أن المحققين كانوا يقولون لهم: “لم أصدق روايتك، أريد أن أصدقها، أريدها أن تكون أكثر تماسكًا وعفوية، حتى أوقف عنك التعذيب”.
ثم ينده على الجلاد ليطلب منه متابعة التعذيب.
استمرار الحرمان من النوم طوال فترة الاعتقال
كل رئيس فرع يعرف عدد المعتقلين لديه، وعدد الزنازين ومساحاتها، في تقارير توضع على مكتبه كل صباح.
رغم ذلك، يملؤون الزنازين بأعداد غير منطقية أو حتى قابلة للتصديق من قبل من لم يعتقل من قبل.
فمثلًا، في المخابرات الجوية بالمزة كان عدد المعتقلين يصل إلى عشرين في زنزانة انفرادية بطول مترين وعرض متر وربع.
مما يضطرهم إلى تبادل الوقوف لساعات ثم القرفصاء، دون استلقاء مطلقًا، وهو ما كان يحرمهم من النوم بشكل شبه كلي.
أما في الزنازين الجماعية في الجوية أو الفرقة الرابعة مثلًا، كان عدد المعتقلين يتراوح بين 70 و90 في زنزانة بطول 8 أمتار وعرض 7 تقريبًا.
وهو ما يسمح بالاستلقاء ولكن بالتبادل مع الوقوف، والاستلقاء على الجانب لا على الظهر. أما في الزنازين الأكثر اكتظاظًا، يستخدم المعتقلون طريقة القطار. أي أن يسند المعتقل ظهره إلى ما بين رجلي المعتقل الذي خلفه، ويسند آخر ظهره بين رجليه ليشكلون في نهاية المطاف سلسة بشرية تشبه عربات القطار بترابطها.
في جميع الحالات السابقة، لا يكاد المعتقل ينام ساعة واحدة باستمرار، فقد يكون دوره انتهى في النوم، أو قد يدوس أحد المعتقلين دون قصد على أي جزء من جسد النائم ليوقظه أو قد يتحرك الشخص الذي يستند عليه المعتقل…
حسب البند السابع من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، الذي وقعت عليه الحكومة السورية، يشكل التعذيب جريمة ضد الإنسانية “متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم”.
ينطبق هذا التعريف على حملة الاعتقال وتكديس المدنيين وتعذيبهم في ظروف لا إنسانية، التي شنها النظام السوري منذ 2011، والمستمرة حتى لحظة كتابة هذا المقال، حيث يقبع أكثر من 100 ألف معتقل في أقبية وسجون نظام الأسد، يعانون الحرمان من النوم من بين أشكال التعذيب الأخرى التي يرتكبها النظام السوري بحق البشر.