عنب بلدي – درعا
ارتفعت حدة التصريحات المتبادلة بين إيران وإسرائيل بعد المواجهة الجوية التي أسفرت عن إسقاط طائرة استطلاع إيرانية وأخرى حربية إسرائيلية، في 10 شباط الجاري.
وبينما يردد الجانب الإسرائيلي أنه لن يقبل بتوسيع إيران لنفوذها في الجنوب السوري، تتوسع الأطماع الإيرانية بصورة أكبر من ذي قبل، بعد أن نجحت في تقوية نفوذها في حمص وحماة ودير الزور وريف دمشق، وباتت على مشارف خط وقف إطلاق النار في محافظة القنيطرة.
وينذر التصعيد غير المسبوق بمواجهة عسكرية بين الطرفين ستكون محافظتا درعا والقنيطرة مسرحًا لها، وستصل شظاياها إلى الحلفاء الدوليين لكلا الطرفين.
حذرت التقارير الميدانية من الريف الشمالي لمحافظتي درعا والقنيطرة من تجهيز قوات الأسد المدعومة إيرانيًا لمعركة من ثلاثة محاور، بهدف التقدم إلى منطقة جباتا الخشب في محافظة القنيطرة ومثلث الموت وصولًا إلى تل الحارة في محافظة درعا، ما يعني إعادة السيطرة النارية على مساحات واسعة بالقرب من خط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل، وهو ما تخشاه إسرائيل وتهدد بالتدخل لمنع وقوعه، الأمر الذي يضع المنطقة أمام مجموعة من السيناريوهات المحتملة سواء لتفادي هذه المواجهة أو الخط الذي ستنتهي إليه.
“مشاع” للتدخلات العسكرية
المواجهة المحتملة بين دولتين تعتبران من الأقوى عسكريًا في الشرق الأوسط ستكون على أرض دولة ثالثة، باتت ساحتها مشاعًا للتدخلات العسكرية، ويرى المحامي محمد الجهماني، وهو حقوقي مطلع مقيم في درعا، أن هذه المواجهة حلقة جديدة من مئات الانتهاكات للقوانين الدولية في سوريا منذ انطلاق الثورة السورية، فكلتا الدولتين (إسرائيل وإيران) تقومان بحرب في أراضي دولة ثالثة حكومتها قتلت وجرحت مئات الآلاف من أبناء شعبها وفتحت الباب أمام عشرات الدول والميليشيات المسلحة للقتال في أراضيها.
ويقول المحامي، المتابع للتطورات في ريفي درعا والقنيطرة وقبلهما ريف دمشق الغربي، لعنب بلدي، إن المنطقة أمام سيناريوهات أربعة، أقربها من وجهة نظره تكرار ما تم في منطقة بيت جن، بإتمام “مصالحة” بين قوات الأسد وفصائل المعارضة، مع الحفاظ على مقاتلي هذه الفصائل في المنطقة كضامن لمنع اقتراب إيران و”حزب الله” من الحدود مع الجولان المحتل.
ومن الممكن ألا تمانع إسرائيل هذا السيناريو، وهي التي تمتلك علاقات مع بعض الفصائل جنوبي سوريا.
ويشير الجهماني إلى أن إمكانية تطبيق السيناريو المذكور ستكون صعبة بسبب الاختلاف الكبير بين الوضع الذي كانت عليه منطقة بيت جن والوضع الحالي للمنطقة الجنوبية، من ناحية الحصار وضعف فصائل المعارضة والمساحة الجغرافية التي تسيطر عليها.
أما السيناريو الثاني فيتمثل بإعادة تفعيل منطقة “تخفيف التوتر” جنوبي سوريا، ونشر نقاط للمراقبة بشكل مشابه لما تقوم به تركيا في محافظة إدلب.
ومن وجهة نظر المحامي، سيلبي هذا الخيار المطالب الإسرائيلية، ويضع نهاية لأطماع التمدد الإيراني، لكن تبقى إمكانية تطبيقه موضع شك بسبب غياب الطرف الثالث المقبول محليًا وإقليميًا، والقادر على إدارة نقاط المراقبة.
ولعل الطرف الأردني هو المرشح الأكبر لهذه المهمة، رغم جهود الأردن الحثيثة لإبقاء نفسها خارج دائرة الحرب في سوريا، إلا أن مخاوفها من التمدد الإيراني قد يدفعها نحو الداخل السوري كطرف مراقب لمنطقة “تخفيف التوتر”.
المواجهة أو التسليم بضمانات
إلى جانب ما سبق، يتمثل السيناريو الثالث للجنوب السوري في نجاح قوات الأسد بالدخول إلى المنطقة وصبغ خريطتها باللون الأحمر، لكن بمشاركة روسية في السيطرة على النقاط المهمة كالتلال الاستراتيجية.
ويرى المحامي الجهماني أن روسيا ستلعب دور البديل والضامن لمنع تعزيز إيران لنفوذها في المنطقة، يلي ذلك إعادة قوات حفظ السلام الأممية إلى الشريط الحدودي، وهذا الأمر قد يلبي المطالب الإسرائيلية والروسية معًا.
كما يلبي المطالب الإيرانية بإعادة سيطرة قوات الأسد على المنطقة، لكن تبقى مشكلة فرض هكذا حل بأن ينسحب على جسد المعارضة بشقيها العسكري والشعبي، ما يعني وجودها في المنطقة بشكل كامل.
السيناريو الرابع والأسوأ هو المواجهة الشاملة بين قوات الأسد المدعومة إيرانيًا وروسيًا، مع فصائل المعارضة التي يتلقى بعضها دعمًا إسرائيليًا.
ويشير المحامي إلى أن هذه المواجهة قد تتخللها مشاركة إسرائيلية مباشرة عبر الغارات الجوية المتقطعة بذات الطريقة التي مارستها إسرائيل خلال الأعوام السابقة، أو غير مباشرة بمد المعارضة بنوعيات محددة من الأسلحة، وانتظار ما ستسفر عنه.
وسترافق هذه المعركة ضغوط إقليمية سياسية ستؤثر عليها، فإما نجاح أحد الطرفين في حسم المواجهة العسكرية، أو الوصول إلى تهدئة والعودة إلى أحد السيناريوهات السابقة.
شهدت الساحة السورية منذ اندلاع الثورة، مطلع 2011، تدخلات إقليمية ودولية بشكل مباشر أو غير مباشر، كان أبرزها الدعم المعلن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لـ “قوات سوريا الديمقراطية”، والتدخل الروسي دعمًا لقوات الأسد، إلى جانب التدخل التركي في صف فصائل المعارضة في الشمال.
ورغم غياب أي تدخلات مباشرة في الجنوب السوري، إلا أن الصراع الإسرائيلي- الإيراني على إثبات النفوذ يُنذر بحرب مرتقبة بين الطرفين، وتبقى الكلمة الأضعف فيها لقوات الأسد وفصائل المعارضة على حد سواء.