عنب بلدي – العدد 137 – الأحد 5/10/2014
لم يقصد الآلاف من الحجيج السوريين خطوط المملكة العربية السعودية للوصول إلى مكة كما جرت العادة في كل عام، بل ألقوا بأنفسهم في اليم قاصدين ملكًا لا يظلم عنده أحد، وطالبين العيش الكريم في برلين واستوكهولم ولندن وغيرها من العواصم الغربية، ليأخذهم “العدو الغربي الذي قتلهم في الماضي” وينتشلهم اليوم من خضم البحر أجسادًا بأرواح أو بدونها.
من العدو الذي يقتل السوريين! لا يختلف اثنان أن سكاكين كل المطابخ تشارك في ذبح السوريين وزيادة مأساتهم، ولكن أين الخمسة ملايين حاج في رحاب مكة وعلى صعيد عرفات، إلى متى ستظل هذه الشعائر تقليدًا دينيًا فحسب، دون تفعيل أعظم جمع سنوي في العالم يرتدون لباسًا واحدًا، ويقفون على صعيد واحد يلهجون بذكر واحد. لا نريد أن نتغنى بهذه الوحدة المعجزة التي جمعتهم بهذا النسق وعلى هذا الترتيب الذي يتكرر في كل عام منذ ألف وأربعمئة سنة، نريد فعليًا أن يلبي المسلمون نداء الله في أن المسلمين أخوة، ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
العلمانية البحتة تسود تعاليم الدين من حيث لا يدري المسلمون، فتحصره بين المنبر ومائدة الإفطار، وتقصره على العبادات التي تنفع الفرد ولا تتجاوز حدود منزله قيد شبر، ولو حصل الطوفان.
بالتزامن مع دخول ذي الحجة وتجهيز ستار الكعبة الجديد، والذي تبلغ كلفته ملايين الريالات، يغرق قارب يحمل مئات السوريين بالقرب من الشواطئ الإيطالية. وأين عمر من الشاة، التي يخشى أن يسأل عنها يوم القيامة لو تعثرت. هل يمكن أن يضع آل سعود ومن لف لفهم نفسهم في موقع المسؤولية عن هذا.
وهل نحن من قلة يومئذ يا رسول الله، لا.. بل كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، نعم خمسة ملايين مسلم يحجون إلى السعودية، بينما يبحث آلاف السوريين عن مسجد في عواصم أوروبا وضواحيها يسقطون فيه فرض الجمعة. 22 مليون ريال كلفة كسوة الكعبة المشرفة، وآلاف السوريين يعيشون تحت رحمة الحكومات الغربية على مرتبات لا يجوعون فيها ولا يشبعون.. الحكومة السعودية التي طالما أطربت السوريين بوقوفها إلى جانب ثورتهم، جعلت الخوض في قاع البحر وعلى سطحه أهون من قصد المملكة!
يخطب خطيب الأمة، الذي ناهز الثمانين، خطبته العصماء التي قد يفهم منها كلمة من كل عشر كلمات، من منبر نمرة، فيحث حشود المسلمين على الجانب الروحي في الدين وإقامة الصلاة والصدقة، ويتحدث عن صلاحية هذا الدين لكل زمان ومكان، ويختم بالشكر لملوك السعودية ومجلس التعاون الخليجي لخطواتهم الجادة في حل أزمات الامة.
إنها خطبة الأمة، حيث ملايين المسلمين في شتى أصقاع الأرض تتجه أنظارهم إلى ذاك الحشد المهيب وتلك الخطبة التي تكلمت بعموميات الدين، كأن المسلمين بألف خير، وكأن الأمة الإسلامية في أبهى حلة، وتمجد أمجادًا لا تغني فقيرًا مسلمًا ولا تسمنه.
القصر المنيف الذي يصنعه أرباب المنابر وكلاء الجنة، أي قدوة قد اتخذوها وأي مذهب قد اتبعوا، والمسلمين مستضعفين في الأرض، والدين الإسلامي في خطر حقيقي، والملمة التي تحل بالأمة الإسلامية.
لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لم يصدح بها الحجيج السوريون كما هو المعتاد في سابق الأعوام إلى مكة قاصدين فريضة الحج، بل قصدوا بها لبيك ربنا أُخرجنا من ديارنا بغير حق، فهاجرنا كما أذنت لنا، فثبتنا على دينك وكن عونًا لنا.
يحجون إلى أقاصي الدنيا قاصدين العيش الكريم الآمن، مبتعدين عن الأراضي المقدسة، مأوى الحجيج وأم المسلمين، فأينما تولوا خارج بلاد العرب فهو خير لهم، ولهم ما أرادوا من الأمن والكرامة والحرية.