المواقف من معركة عفرين وذكريات تفجير المارينز في بيروت

  • 2018/01/22
  • 6:36 م
عناصر من فصائل الجيش الحر على جبل برصايا شمالي حلب بعد السيطرة عليه - 22 كانون الثاني 2018 (عنب بلدي)

عناصر من فصائل الجيش الحر على جبل برصايا شمالي حلب بعد السيطرة عليه - 22 كانون الثاني 2018 (عنب بلدي)

أيهم الطه

أي نظرة سريعة إلى خريطة شمال شرقي سوريا وما يجري فيها، يشير بشكل واضح إلى تجهيز هذا الكيان لما هو أبعد من إقليم ضمن دولة فدرالية، كما يصرح السياسيون الكرد المناصرون للإدارة الذاتية، والذين خففوا من حدة خطابهم خلال الأشهر الأخيرة، وخاصة بعد إخفاق الإقليم الكردي في العراق في تحقيق استقلاله عن الدولة العراقية وخسارته الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

المؤكد أن الولايات المتحدة تبحث عن أرض وحلفاء يضمنون لها وجودًا دائمًا في سوريا، لكن هذا المشروع محاط بسياج من المشكلات الإقليمية والمحلية.

وهذا ما دفع بأنقرة، التي طالما صرحت برفضها لإقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية، إلى التدخل العسكري المباشر بعد سنوات من التهديد العلني، ورغم أن نذر الحرب التركية على المناطق الكردية تلوح في الأفق، إلا أن مثل هذه الحرب تحتاج إلى ماهو أكثر من حشد عسكري:

– موافقة روسيا، التي تعتبر أحد حلفاء الكرد ولها وجود عسكري في عفرين يفوق 100 عسكري، والتي يبدو أن أنقرة حصلت عليها بعد اتصالاتها المكثفة مع القيادة الروسية.

– غض طرف أمريكا الداعم الأساسي للكرد في المنطقة، والذي أصبح يعول عليهم كحليف يعتمد عليه في تنفيذ المشاريع الأمريكية.

– عدم تدخل النظام السوري الذي رغم رفضه للتصرفات الانفصالية من القيادات الكردية، فقد حافظ على التنسيق معهم متمسكًا بسيادته على كامل الأرض السورية، وهو المرجح رغم التصريحات النارية للخارجية السورية.

– غطاء محلي سوري يساعد في العمليات العسكرية ويسهم في إدارة المنطقة فيما بعد، والذي ترجم بإشراك عدد من فصائل الجيش الحر في العمليات العسكرية وتهيئة الأرضية لمرحلة ما بعد التدخل العسكري.

كيفية تحقق هذه الشروط  على الأرض، قد توضح خريطة التحالفات القادمة في سوريا، كما أنها سترسم العلامات الجديدة في مستقبل المنطقة السياسي.

ورغم التصريحات المتوترة من جميع أطراف الصراع، والنبرة الحادة وسقف الخطاب المرتفع، إلا أن القنوات المباشرة وغير المباشرة -كما دائمًا في الصراع السوري- ماتزال مفتوحة ومثلها خيارات الأطراف، وربما سنشهد بعض التسهيلات التركية للكرد بعد ضمان تفكيك مشروعهم الانفصالي، وبقائهم داخل حدود الدولة السورية وربما القبول بصيغة تضمن دخولهم إلى سوتشي، كجزء من التسوية السياسية وعنصر مهم وضامن لأمن واستقرار سوريا ما بعد الحرب.

مواقف غير ثابتة

على الطرف الآخر من الأزمة بدت التصريحات الأمريكية أقل حدة، فيما يخص القوة الأمنية التي أعلن عن تشكيلها في وقت سابق على حدود المناطق الكردية في سوريا، والتي توسعت وفق الرؤية الأمريكية لتشمل كامل الضفة الشرقية لنهر الفرات، فضلًا عن الرقة والجزيرة، ما يعني أنها ستنشر كقوة “حماية حدودية” لهذا الإقليم المدعوم أمريكيًا وتفصله عن الحدود العراقية والتركية والسورية، وبالتالي تجهيزه لكيان مستقل بثرواته وموارده.

وفيما انخفضت حدة الخطاب الأمريكي من قوة حدودية إلى قوات تحافظ على السلم واالأمن والاستقرار في المنطقة، بدا لافتًا الموقف الأوروبي من الأزمة، والذي يبدو مختلفًا عن الموقف الأمريكي، وقد تجلى ذلك واضحًا في صمت المسؤولين الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين، عن إدانة التدخل العسكري التركي، فيما ظهر الموقف الألماني أكثر وضوحًا من خلال تصريحات صادرة عن موظفين في الخارجية الألمانية، تؤيد حقوق الدولة التركية في حماية حدودها ومصالحها.

الواقع على الأرض يقول إن معادلات الأكراد التي سرت منذ 2013 وحتى 2017 قد تغيرت، كما أن الاستبداد الداخلي لقادة مشروع الإدارة الذاتية أظهر تناقض خطابها المتسامح والمنفتح مع ممارساتها على أرض الواقع، سواء السياسيين والناشطين الكرد المخالفين لها، أو لبقية المكونات العرقية الموجودة في مناطقها .

مناخ معاد

لكن هل هذه القوة المزمع تشكيلها غير قابلة للحياة في ظل تهديدات ورفض تركي وايراني، ورفض سوري شعبي ورسمي، فضلًا عن إعلان رفض صريح من القنوات الرسمية العراقية وفصائل الحشد الشعبي العراقي.

والخطاب الأمريكي الذي ولد حازمًا جازمًا من قيادة التحالف الدولي، بإنشاء قوة أمنية تصل إلى 30 ألف مقاتل، وتعتمد على قوات سوريا الديمقراطية، عاد إلى تهدئة خواطر الجوار الإقليمي عبر تأكيد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الخميس 18 كانون الثاني الجاري، أن الولايات المتحدة لا تعتزم تشكيل قوة أمنية حدودية مع حلفائها في سوريا.

كل الإشارات توحي بأن التدخل العسكري التركي سيكون محدودًا في الزمان والمكان، وربما يقتصر على مدينة عفرين أو أجزاء منها رغم ضخامة الحشود، والأزمة الحالية الناتجة عن التصريحات الأمريكية ستطوق بتفاهم دولي يطمئن دول الجوار ويحجم الدور الكردي السياسي، ويقلص قواته وربما يؤجل أو ينسف المشروع الأمريكي في إقليم مستقل يحكمه الكرد، ويسيطرون على مفاصله مع أقلية عربية تكون مجرد غطاء وهمي يعبر عن مشاركة العرب في إدارة الإقليم، ويفرغ جزءًا من الاحتقان الداخلي العربي المتصاعد، نتيجة تكريد المنطقة واستئثار القادة الكرد بقرارتها السياسية والعسكرية والإدارية والأمنية والاقتصادية.

فيما ذات الوجود الأمريكي مهدد ولا يعول على استمراره، خاصة بعد التصريحات الروسية الرافضة له وتشكيل غرفة عمليات (إيرانية- عراقية- سورية) لمقاومته.

ومن منا لا يذكر انسحاب القوات الأمريكية من بيروت في 23 شباط 1984، بعد التفجير الشهير الذي هز مبنى المارينز وأوقع 241 قتيلًا أمريكيًا، توزعت جثثهم على 10 مقابر واحدة منها “أرلنغتون”، وحينها استفاق العسكر الأمريكي من حلمهم بالوجود في لبنان على ضفاف المتوسط، حاملين شجرة أرز زرعوها في إحدى مقابرهم فوق أشلاء المارينز.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي