تحرك وتجارب لحفظ جينات القمح السوري

  • 2017/12/24
  • 11:41 ص

توزيع البذار والأسمدة في مشروع دعم زراعة القمح بريف حمص الشمالي - كانون الأول 2017 (عنب بلدي)

عنب بلدي – اقتصاد

كان محصول القمح في سوريا استراتيجيًا، لكن الحرب حولت سوريا إلى دولة مستوردة بعد أن كانت مكتفية ذاتيًا، هذه النتيجة الأولى التي تتبادر إلى الأذهان فيما يتعلق بقضية القمح، لكن تدهورًا خفيًا لا يتم نقاشه على العلن، هو فقدان وضياع بعض الأصناف المحلية وتدهور نوعيتها وارتفاع نسبة الخلط فيها.

أسهمت سنوات الحرب في تدمير مراكز الأبحاث المحلية والعالمية الزراعية التي كانت موجودة في سوريا، والتي كانت مهمتها الحفاظ على سلالات القمح، الأمر الذي دفع بالمؤسسة العامة لإكثار البذار التابعة للحكومة السورية المؤقتة لإطلاق مشروع، من أجل الحفاظ على الأصناف السابقة من التدهور بحسب ما قاله مدير المؤسسة، معن ناصر، لعنب بلدي.

إنتاج صنف جديد يحتاج لإمكانيات هائلة

الخلط الوراثي بين أصناف القمح السوري القاسي والطري، دفع الجهات المعنية للتدخل بهدف الحفاظ عليها وإعادة نقاوتها وإكثارها، فأحدثت الحكومة السورية المؤقتة الإدارة العامة للبحوث العلمية الزراعية.

ونفذت الإدارة العامة، الأسبوع الماضي، المرحلة الثانية من التجارب البحثية على الأصناف عبر برنامج تربية وانتخاب لسلالات القمح، عن طريق فريق بحثي يقوم بمتابعة العمل، إذ تم زراعة 12 صنفًا من القمح السوري لعام 2018.

مدير مؤسسة الحبوب في الحكومة المؤقتة، المهندس حسان محمد، قال لعنب بلدي إن وزارة الزراعة في الحكومة تقوم بالتجارب من أجل الحفاظ على سلالة القمح من الاختلاط بأنواع أخرى أقل جودة.

وأوضح أنه حاليًا يتم الحفاظ على الأصناف السابقة وليس إنتاج أصناف جديدة، لأن إنتاج صنف جديد يحتاج إلى إمكانيات هائلة، وعمل لسنوات طويلة لا تقل عن عشر سنوات من التجارب والانتخاب والاستبعاد، للحصول على صنف يتميز بمميزات زيادة الإنتاج ومقاوم للظروف غير الطبيعية مثل الجفاف وقلة الأمطار والأمراض التي قد تصيبه، لنصل إلى صنف يلائم المنطقة ومناخها والعوامل المؤثرة الموجودة فيها.

وهذا ما أكده مدير مؤسسة إكثار البذار، معن ناصر، بأن إنتاج أصناف جديدة متوقف حاليًا، وإنما تحفظ المؤسسة الأصناف الموجودة سابقًا مع استعادة نقاوتها وعدم خلطها، مشيرًا إلى أنه تم الحفاظ على 17 صنفًا من القمح وإنتاج كمية تقدر بتسعة آلاف و400 طن من البذار بالتعاون مع جهات داعمة.

“قبو يوم القيامة” يحفظ سلالات القمح

قبو سفالبارد العالمي للبذور هو بنك بذور آمن يقع في الجزيرة النرويجية سبتسبرجن، بالقرب من بلدة لونغياربيين في أرخبيل سفالبارد في القطب الشمالي، وصمم خصيصًا لحفظ بذور المحاصيل الزراعية بأمن لتكون جاهزة للاستخدام بعد كل كارثة.

وافتتح رسميًا في 26 شباط 2008، ويُعتقد أنه يحتوي على أكثر من 800 ألف عينة من البذور المأخوذة تقريبًا من كل بلدان العالم والمحفوظة في كهف تحت الأرض.

إنتاج أصناف جديدة من القمح كان من مهمة مراكز الأبحاث الزراعية التي كانت موجودة في سوريا قبل عام 2011، إضافة إلى المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة “إيكاردا” التابع للأمم المتحدة، والذي بدأ عمله في سوريا عام 1977، ويقدم الدعم لإنتاج البحوث الزراعية ودراسة العوامل البيئية والتقنية والاقتصادية في الدول النامية، ويسعى إلى تنمية الزراعة المستدامة وتطويرها للحد من الفقر والجوع وتحقيق الأمن الغذائي للمواطنين.

مراكز الأبحاث بالتعاون مع “إيكاردا” أنتجت أصنافًا جديدة من القمح قبل 2011، تحمل ميزات وتلائم المنطقة وتميزها عن أصناف موجودة في أي منطقة أخرى، فهي مخصصة ومدروسة ومنتخبة طبيعيًا وصناعيًا لكي تلائم طبيعة سوريا، بحسب ما قاله محمد، الذي أكد أن في كل منطقة في العالم توجد أصناف خاصة ملائمة لجوها وطبيعتها.

في حين أوضح مدير مؤسسة إكثار البذار أن “إيكاردا” أنتجت أصنافًا من البذور متوافقة مع البيئة السورية ذات إنتاجية عالية ومتحملة للجفاف ومقاومة للأمراض.

مركز “إيكاردا” كان يتخذ من تل حديا قرب مدينة حلب السورية مقرًا له، لكن بعد اندلاع المعارك بين أطراف النزاع نقل المركز الجينات الوراثية النباتية التي كانت في بنك الجينات إلى “قبو سفالبارد العالمي” للبذور الذي يعرف بـ ”قبو البذور العالمي” أو “قبو يوم القيامة” الموجود في النرويج، بحسب ما أكده مدير المركز في سوريا، محمود الصلح في 2014.

وأوضح الصلح حينها أن معظم الجينات نقلت من بنك الجينات السوري إلى النرويج، وبلغ إجمالي ما تم الاحتفاظ به 116 ألفا و484 جينًا، أي أكثر من 80% من إجمالي الجينات.

وأكد أن “الخطوة تهدف إلى ضمان إمدادات الغذاء في المستقبل لتوفير الأمن الغذائي في العالم النامي، إذ تؤدي الحروب والصراعات إلى اختفاء أصناف نباتية ربما تكون متميزة بزيادة الإنتاج، وهو ما يمكن استرجاعه من بنك الجينات”.

وهذا ما يؤكد أن سوريا لم تفقد الأصناف ويمكن إرجاعها، لكن المركز لا يعطي السلالات إلا لجهة يوثق بها.

لماذا القمح السوري مهم؟

مركز “إيكاردا” عمل على إنتاج أصناف جديدة من القمح في سوريا تحت مسميات عديدة، خاصة وأن الأقماح السورية تعد من أفضل أنواع القمح على مستوى العالم وأجودها، كحال القمح القاسي الملائم لصناعة المعكرونة نتيجة احتوائه على بروتينات تميزه عن غيره.

وينتشر القمح في سوريا بنوعيه القاسي والطري، ويمتاز القاسي بكبر حجم الحبوب والبلورية واللون العنبري الأصفر وبتأقلم واسع في المناطق البيئية لحوض المتوسط، أما القمح الطري فهو ملائم لصناعة الخبز والبسكويت والكاتو.

ومن أهم أصناف القمح الموجودة، بحسب “دليل القمح” الصادر عن الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية في 2011، “الأقماح عالية الإنتاج” و”الأقماح المحلية والقديمة”، التي نتجت عن الدراسات والتجارب.

وتشمل أصناف القمح القاسي المزروعة في سوريا “شام3، شام5، بحوث7، دوما1، شام7، بحوث9، بحوث11، شام9، دوما3، حوراني، اكساد65، بحوث5، شام1، بحوث1، جزيرة17، جوري69، سيناتور كابللي”.

وتمتاز الأصناف بمقاومتها للظروف البيئية (جفاف وأمراض وخاصة مرض الصدأ)، وغلتها العالية وتأقلمها الواسع في البيئات المروية، وأغلب الحبوب تتميز بصفات تكنولوجية جيدة.

أما أصناف القمح الطري فهي “شام4، بحوث4، شام6، بحوث6، شام8، شام10، دوما2، بحوث8، دوما4، جولان2، شام2، مكسيباك، فلورنس اورور”، وتمتاز أغلبها بغزارة الإنتاج، وتأقلمها في البيئات الجافة، وتحمل صفات تصنيعية جيدة ككبر حجم الحبوب.

نوعية البذار لعبت دورًا في انخفاض الإنتاج

الحرب أدت إلى انخفاض محصول القمح نحو النصف تقريبًا، فبعد أن بلغ الإنتاج في 2011 نحو 3.4 مليون طن، انخفض إلى 1.7 مليون طن الموسم الماضي، بحسب النظام، في حين قدرت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) التابعة للأمم المتحدة المحصول بـ 1.3 مليون طن فقط، بنسبة انخفاض 55% عن محصول 2011.

مدير مؤسسة الحبوب حسان محمد، عزا تراجع محصول القمح إلى عدة عوامل منها هجرة الفلاحين لأرضهم وتركهم الزراعة، إضافة إلى فقدان مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعارها مثل السماد والمحروقات، خاصة وأن أغلب القمح الذي يدخل في الإنتاج هو قمح مروي، ويعتمد على الآبار وبالتالي يلزمه محروقات، إلى جانب تخريب شبكات الري بفعل قصف النظام.

وأشار محمد إلى أن غياب سوق تصريف المحصول كان من الأسباب التي دفعت مزارعي المناطق الشرقية إلى تغيير سياسة الزرع لديهم، فانتقلوا لزراعة محاصيل أكثر استهلاكًا أو أكثر مردودية للربح وأقل تكلفة مثل الكزبرة والمواد العطرية.

كما أكد أن نوعية البذار لعبت دورًا في انخفاض الإنتاج، فلم تعد توجد بذور قمح محسنة تعطي إنتاجًا أكثر، كما أن الفلاح الذي يزرع يعتمد على نفس البذار المخزنة لديه، والمدورة مع ما يرافقها من الخلط والشوائب، ما يؤدي إلى قلة الإنتاج.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية