عنب بلدي ــ العدد 129 ـ الأحد 10/8/2014
يتابع السوريون الانتخابات التركية بقلق بالغ خوفًا من خسارة أردوغان، والتي إن حدثت ستشكل خطرًا على وجودهم كلاجئين كما يتوقعون، خاصة وأن خصومه يقفون ضد دخولهم إلى الأراضي التركية.
لن نستطيع أن نتجاوز فرحتنا -كسوريين- بالفوز الذي أحرزه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية، فهو يعني قبولًا شعبيًا به وبالسياسات التي تعتمدها حكومته، وخاصة المتعلقة منها بالملف السوري.
ولا أظن أن دولًا دعمت الشعب السوري، وأعطته صفة الضيف قولًا وفعلًا، كما فعلت تركيا، بل تعدى ذلك إلى مساندة ثورته بالميدان ضمن معادلات دولية وإقليمية متداخلة وشديدة التعقيد.
كما أن رفض تركيا تحويل سوريا إلى منطقة استقطابات تتحارب فيها المصالح الأجنبية على دماء المواطنين، ركز مفاهيم الانتصار للربيع العربي، إذ يرتكز حليف الثورات على أرض صلبة ويتقدم للأمام.
لذلك لا أستغرب اليوم من تغيير بعض السوريين صورهم الشخصية في صفحاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واستبدالها بصور أردوغان وهو يحتضن الأطفال السوريين ويقبلهم، وأتفهم تمامًا فرحتهم بفوز حزبه في الانتخابات البلدية.
على الجهة المقابلة فإن توضيح الحالة المدنية والمجتمعية في تركيا، بدءًا من الأسرة وانتهاءً بالمؤسساتية في القطاعين الحكومي والخاص، يعكس صورة الرقي الشعبي قبل الحكومي، حسب نزار الأحمد الناشط السوري المقيم في غازي عنتاب.
يمكنني القول بأن هؤﻻء الناس يحترمون القانون «رغبة أكثر منها رهبة، ويتعاطون مع الدين كسلطة روحية، ولهذا تجد شرائح كبيرة من الأتراك الغير ملتزمين دينيًا قد أدلوا بأصواتهم أمس وفق ما تيسر لي من متابعة ترجمة صحيفة «حريات» التركية.
لكننا ما زلنا نجد الكثير من»النخب السورية» المتواجدة هنا تعمد إلى حالة الربط اللامنطقي بين طوباوية سورية متخيلة، وبين حالة تركية فريدة تجاوزت مفهوم التجربة والتمدن، والالتحاق بركب العالم الحديث.
لكي تصل كسوري إلى فهم منطقي للنموذج التركي الجديد عليك أن تعود إلى حقبة نجم الدين أربكان وتفهم حالة المجتمع التركي آنذاك، وعليك ثانيًا أن تفيد من هذا الاحتكاك اليومي بالأتراك، لتقدم فيما بعد مشروعك الوطني السوري الحقيقي في كل تفريعاته «مدنيًا ومؤسساتيًا وقانونيًا»، ومن ثم يمكنك أن تقدس أردوغان أو تشتمه.
ذاك حقك الفكري حينها، وليس من حقك الآن وأنت ﻻ تزال عبدًا لفكرة تآكلت منذ انهيار السوفييت، وﻻ تزال تلعب على حبالها المهترئة.
لن أشكر أردوغان وﻻ حزب العدالة والتنمية، بل أشكر المجتمع التركي، الذي يمارس مدنيةً ووعيًا وطنيًا حقيقيًا، نحتاج منه في سوريا إلى 5 بالمئة فقط لكي ندفن الحرب في بلادنا حتى قيام الساعة.