عنب بلدي ــ العدد 123 ـ الأحد 29/6/2014
يبدأ عصيان بقصة زواج جدته المضطربة عقليًا من طبيبها، والحوادث التي دفعت بوالده، الأمير العثماني، للانتقال مع صديقه الأرمني إلى لبنان، ومن ثم زواجه بابنته. عصيان الذي نشأ في بيروت غادر إلى فرنسا ليعود منها بعد ثماني سنوات متوجًا بهالة القديس المتمرد محققًا بذلك حلم أبيه –الذي اختار له اسمه-، لا حلمه بدراسة الطب؛ إذ تزامن تواجده في باريس مع اندلاع المقاومة الفرنسية، وتحول الطالب القادم من المشرق إلى الأسطورة «باكو»، الاسم الحركي لحامل البريد السري الذي يستطيع اجتياز أي حاجز لنقل أي رسالة إلى أي مرسل.
تضاف ثنائية جديدة عند زواج عصيان، وبمباركة والده، من كلارا، اليهودية النمساوية الأصل المقيمة في فلسطين، والتي التقاها أول مرة مصادفة خلال انخراطه في المقاومة الفرنسية، لتفرقهما بعد ذلك «أحقاد وحدود ملعونة» تحول دون أن يلتقي بزوجته وابنته لأكثر من عشرين عامًا. وتنتهي الرواية عند الموعد المنتظر بعيني الصحافي الفرنسي ترقبان عن بعد عصيان وكلارا وأيديهما متشابكة، وكلارا غارقة في شرح طويل، ومن ثم يبتعد تاركًا نهاية اللقاء مجهولة لنفسه وللقارئ، ولتُترك التساؤلات التي تطرحها الرواية مفتوحة.
رواية ممتعة وتستحق القراءة، وكمؤلفات أخرى للكاتب، تطرح مسألة «الهوية» و «الانتماء» من خلال شخصية تقف «على تخوم بلدين، ولغتين أو ثلاث، والعديد من التقاليد الثقافية». وبقصة وأسلوب شائقين تعجّ الرواية بالصراعات بين انتماءات ومعتقدات عدة، وإذ يسهب الكاتب على لسان البطل بالحديث عنها، قد تبدو الشخصيات للقارئ أفكارًا أكثر منها أشخاصًا، ويعزز ذلك الهالة من الجدية والرزانة المحيطة بشخصيات الرواية في صراعهم من أجل الهوية والانتماء، والسعي للتسامح والبقاء. كما وتشكل الأحداث التاريخية منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى نهايات القرن العشرين مفاصل ومحطات في مسار حياة شخصيات الرواية فتؤثر فيها دون أن تطغى عليها، بدءًا بمذابح الأرمن وسقوط الدولة العثمانية، إلى الحرب العالمية الأولى والمقاومة الفرنسية والحرب العالمية الثانية إلى إقامة إسرائيل، ومن ثم الاضطرابات في بيروت عند اندلاع الحرب الأهلية. وتتيح «رومانسية» المؤلف في تطرقه للصراع العربي-الإسرائيلي على أنه بين شعبين كان يضمر لهما «هتلر» العداء، مجالًا واسعًا للجدل، وتفتح الباب على مصراعيه أمام النقّاد.