عنب بلدي ــ العدد 119 ـ الأحد 1/6/2014
ألقت تعويذة الشقاق لعناتها على أغلب الفصائل المقاتلة في سوريا، ليتشابه المشهد السوري مع المشهد الصومالي من حيث التناحر والاحتراب الداخلي.
لكن المحيّر في الحالة السورية هو اقتتال توأمي القاعدة على أرض الشام، ﻻ لخلاف على المنهج أو سوء في الاجتهاد، وإنما صراعًا على النفوذ والمصالح، وقد كان الغدر الطريق الأسهل الذي سلكته «داعش» مع منافسيها من الفصائل، فكانت كالخنجر المزروع في خاصرة مقاتلي المعارضة، كلما حاولوا التقدم ورص الصفوف زادت طعناتها بشكل عنيفٍ ووحشي.
بدأت «داعش» باغتيال القيادات المؤثرة وصاحبة القرار في فصائل المعارضة، عبر المفخخات أو الخطف والقتل تحت التعذيب، كما الحال في مقتل الطبيب أبو ريان القيادي في حركة «أحرار الشام»، ثم عمدت إلى ابتلاع الكتائب الصغيرة ومصادرة أسلحتها بعد تكفيرها ومحاربتها ضمن ذرائع وأحكام «شرعية»، ليغدو التنظيم قوة كبيرة تناطح الفصائل الأخرى وتسعى لزيادة سطوتها على المشهد السوري.
ولهذه الخلافات أسباب عدة أبرزها النفط، وهو كلمة السر الشبيهة بـ»افتح يا سمسم» لأغلب الصراعات في المنطقة الشرقية، فقد بلغت حدة الاشتباكات ذروتها بين «داعش» وحلفائها من العشائر من جهة وبين باقي الكتائب الإسلامية في المنطقة من جهة أخرى، إثر محاولات «داعش» السيطرة على «ولاية الخير» (كما يطلق التنظيم على محافظة دير الزور)، الغنية بالموارد النفطية والتي تؤمن الاكتفاء المالي الذاتي لهذه الفصائل.
كما أن السيطرة على المعابر والتحكم بطرق التهريب، أضحى الهم الشاغل لمعظم الفصائل في المناطق الحدودية، حيث ارتفعت نسب التجارة والمقايضات مع مناطق في الدول المجاورة مثل تركيا، ما دفع الفصائل للسيطرة على هذه المعابر، نظرًا للعائد الذي ستكسبه من الأتاوات المفروضة على البضائع المارة عبرها، الأمر الذي أسفر عن اشتباكات متفرقة على أكثر من معبر، لكن الأمور انتهت باتفاقات عادلة نوعًا ما، خصوصًا بعد طرد «داعش» من معظم الريف الحلبي والإدلبي.
بينما انتشرت عصابات المخدرات وكتائب تهريب المحروقات في المناطق المحررة من قبل المعارضة، تحت رعاية «كتائب الزعران» التي تستغل الفوضى بين الفصائل لتحقيق مكاسب مادية.
وقد ترك التناحر بين الكتائب والسعي للمكاسب المادية، المناطق المحاصرة متعبةً أضناها الجوع وطول الانتظار للمدد الوهمي، بل تعدى ذلك إطلاق معارك لـ «فك الحصار» عن هذه المناطق، لكنها ضعيفة المردود والنتائج الهدف منها الحصول على الدعم المادي لا أكثر، كحال معركة «قادمون يا حمص» التي استمرت أشهرًا دون نتائج ملموسة.
كما أسفر التناحر عن اتفاقات على مستوى البلاد، تهدف إلى كسر الثورة السورية وإرضاخ الثائرين للشروط المجحفة بحقهم وحق تضحياتهم، وكان سقوط حمص بعد حصارٍ دام أكثر من 700 يوم العنوان الأبرز لتلك التفاهمات.
لقد بدأ الحراك الثوري في سوريا موحدًا ممثلًا بالمظاهرات السلمية وشعاراتها الداعية للقيم الإنسانية الجامعة، لكن مكر نظام الأسد وأعداء سوريا وسذاجة الثوار أحيانًا، تدخل لتشويه الثورة وإغراقها في بحر الضياع، من خلال زرع الفرقة بين أبناء الثورة وقد نجحت محاولات التشويه والتفرقة إلى حدٍ كبيرٍ، وإذا كان الثوار يريدون تجاوز مشكلاتهم فعليهم الانتباه والعمل بشعار يحمل الترياق لعلاتهم الكثيرة «متحدين نرقى.. متفرقين نشقى».