عنب بلدي – خاص
تتحضّر الأطراف المؤثرة في الملف السوري لمعركة دير الزور الكبرى ضد تنظيم الدولة، خاصة بعد إعلان الحكومة العراقية، في 9 تموز، انتهاء “دولة الخلافة” في الموصل، والسيطرة على المدينة التي كانت معقلًا للتنظيم، وفي انتظار إعلان السيطرة على محافظة الرقة قريبًا وطرد التنظيم منها، ستكون معركة دير الزور الكبرى العنوان الأبرز في المرحلة المقبلة.
وما بين السيطرة على الموصل واكتمال السيطرة على الرقة، يتجه مقاتلو تنظيم “الدولة” الهاربين من هاتين المدينتين إلى مناطق أكثر أمنا لهم، وهو ما تمثله محافظة دير الزور لهؤلاء المقاتلين، كما يبدو هذا هدفًا لبعض القوى المتصارعة، بتجميع عناصر التنظيم في منطقة واحدة، ثم إطباق الحصار عليهم والإجهاز عليهم.
سيناريو الموصل في دير الزور
ويستعد تنظيم “الدولة” لمعركته المقبلة في دير الزور، بإجراءات لصد أي هجوم عسكري، إذ أفادت وكالة “فرات بوست”، واسعة الانتشار في المنطقة، أن “التنظيم فرض على أصحاب المحلات التجارية والمطاعم، داخل عدد من قرى وبلدات ريف دير الزور الشرقي، وضع سواتر ترابية أمام المحلات بارتفاع مترين”.
كما ألزم أهالي مدينة الميادين، جنوبي شرق المحافظة، بوضع متاريس أمام منازلهم، بحسب ما أوردته الوكالة، الأربعاء 12 تموز.
وكان تنظيم “الدولة” رفع السواتر الترابية وحفر الخنادق وفخّخ الطرق الرئيسية ودمّر المباني العالية (صوامع، مدارس، معامل، خزانات المياه)، مبررًا هذه الإجراءات حتى لا تتخذها أي قوات معادية كقواعد لها في حال الإنزال الجوي أو شن أي هجوم بري.
المحلل العسكري والاستراتيجي المنحدر من دير الزور، العقيد حاتم الراوي، أوضح أن “حفر الخنادق ووضع المتاريس من قبل تنظيم الدولة يدعى بالعلم العسكري (الدفاع السلبي)، وهو حالة من الاستعداد لصد أي هجوم من الجو أو من الأرض، ما يؤكد أن التنظيم مستهدف في المرحلة المقبلة”.
وتابع الراوي، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن “التنظيم يستعد لحالة مماثلة، لتلك التي استعد لها في مدينة الموصل والرقة”. ويفسر هذا التحول بحفر الخنادق ورفع المتاريس في دير الزور بعملية خلط الأوراق على الأرض، بحسب الراوي، فالتنظيم يحتمي بالمدنيين ويختبئ بينهم تشويشًا على المهاجمين حتى لا يعرفوا أهدافه العسكرية، ويوحي أنها أهداف مدنية لتجنب الهجمات.
يعلم تنظيم “الدولة” وقياداته أن الذين يحاربونهم يحاولون حصارهم في المحافظة الممتدة على ضفتي نهر الفرات، والمطلة على البادية السورية غربًا وبادية الأنبار شرقًا، اللتين لن تكونا آمنتين لعناصر التنظيم، فقوات الأسد وفصائل الجيش الحر يتقاتلان للسيطرة على البادية السورية لقطع طريق الهروب لعناصر التنظيم، فيما يسيطر الحشد الشعبي العراقي على البادية العراقية للغاية ذاتها.
وستكون معركة دير الزور ضد التنظيم هي الأعنف والأشرس والأطول، كما يتوقع الباحث فيصل دهموش، لأسباب عدة أهمها أنها ستكون معركة التنظيم الأخيرة في الحواضر، ولأهمية دير الزور للقوى الدولية والإقليمية المتنافسة عليها، بسبب موقعها الجيوسياسي المؤثر، إضافة إلى ما توفره من موارد ضرورية لإدارة الصراعات المحلية بعد طرد التنظيم، مثل حقول النفط والغاز في المحافظة.
أطماع الدول في المحافظة
جغرافيًا، تشكل المحافظة صلة وصل لمناطق السنة العرب، ابتداءً من حلب في سوريا غربًا وحتى نينوى والأنبار في العراق شرقًا، أما اجتماعيًا، فإن وجهاء العشائر فيها يرتبطون مع دول الخليج العربي، وخاصة السعودية، لذا فإنها تمثل في الوقت الراهن التوازن الجيوسياسي لدول الخليج مع الدول الإقليمية المجاورة (إيران).
وتبرز أهمية محافظة دير الزور عسكريًا بالنسبة للنظام السوري، ووجود قواته في عمق مناطق سيطرة تنظيم الدولة، للترويج لنفسه كشريك في الحرب ضد الإرهاب، وهو ما يدعمه الروس عبر الضربات الجوية المساندة لقوات الأسد.
بينما تكمن أهميتها لواشنطن بغناها النفطي، أما أهميتها لإيران التي تريد أن تكون هذه المحافظة ممرًا آمنا لها ولحلفائها في دمشق ولبنان، فيما تسعى السعودية وحلفاؤها، إلى قطع هذا الممر وعدم اكتمال ما يطلق عليه بـ “الهلال الشيعي” في المنطقة.
ما ستنتجه معركتا الموصل والرقة من معادلات سياسية جديدة، وفقًا لتوجهات الإدارة الأمريكية وشكل العلاقة والاتفاق مع روسيا في سوريا، هو الذي سيحدد القوى العسكرية التي ستتقدم إلى دير الزور لتحريرها من تنظيم “الدولة”.