عنب بلدي- القامشلي
شغلت قصة الشاب الثلاثيني ريزان محو من سكان مدينة القامشلي حيزًا كبيرًا في الشارع السوري، في الأيام القليلة الماضية، بعد اعتقاله من قبل قوات “أسايش” التابعة للإدارة الذاتية في المدينة، بتهمة الزواج للمرة الثانية، ليتم إخضاعه إلى محكمة محلية حكم فيها بالسجن عامًا واحدًا إلى جانب غرامة بقيمة 500 ألف ليرة سورية، كما أجبر على الانفصال عن زوجته الثانية.
في كانون الثاني 2014 أصدرت “الإدارة الذاتية لمقاطعة الجزيرة” قانونًا قالت إنه “يساوي بين المرأة والرجل في كافة جوانب الحياة السياسة والاجتماعية”، ومنعت من خلاله تعدد الزوجات وجرائم الشرف والطلاق بشكل منفرد ومهر الزواج، وسمحت للمرأة تولي كافة المناصب السياسية.
ونص القانون على أن “محاربة الذهنية السلطوية الرجعية في المجتمع واجب على كل فرد في مناطق الإدارة الذاتية الديمقراطية، والمساواة بين الرجل والمرأة في كافة مجالات الحياة العامة والخاصة”.
من الحفلة إلى السجن
خلال إعداد هذا التقرير حصلت عنب بلدي على معلومات من مصادر داخل مدينة القامشلي تفيد باعتقال شاب خلال حفل زواجه من قبل قوات “أسايش”، بتهمة الزواج أيضًا من امرأة ثانية، ولم يتم إمهاله حتى اليوم التالي من الزواج حتى يحاسب.
وأوضحت المصادر أن الشاب ليس الحالة الوحيدة التي بدأت الإدارة الذاتية بتطبيقها في جميع المناطق التي تخضع لها في الشمال الشرقي من سوريا، بل تكررت حوادث المحاكمة والاعتقال ودفع الغرامات في الأشهر الماضية بعد إصدار القانون.
وأشارت إلى إجراءات مشددة تتبعها الإدارة الذاتية فيما يخص هذا القانون، دون التساهل مع أي حالة في المنطقة.
في المجتمع والعسكر
اختلفت القوانين التي أصدرتها الإدارة الذاتية بشكل جذري عما كان سائدًا في العرف والتقاليد السابقة، خاصة في منطقة الجزيرة السورية التي تعتبر من أكثر المناطق السورية ارتباطًا بالأعراف وما سار عليه “الأجداد” في المجتمعات “الجزراوية” السابقة.
تبرر المسؤولة في المكتب القانوني وعقود الزواج في بلدية القامشلي، ميادة أحمد، الإجراءات التي اتبعتها الإدارة الذاتية بحق الشاب المعتقل بالقول إن “عقد الحياة المشتركة بني على أساس قانون المرأة التي تعرضت إلى العديد من المشكلات السياسية والاجتماعية في مجتمعاتها، كما أنه صدر بناءً على مبادئ أساسية منها الترشح والمساواة بين شهادة الرجل وشهادة المرأة”.
وتعتبر المسؤولة، في حديث إلى عنب بلدي، أن “مبدأ التشاركية في مؤسسات الإدارة الذاتية يتيح أيضًا رئاسة مشتركة بين الرجل والمرأة”، وهو ما تمثلّه الرئاسة المشتركة لـ “مجلس سوريا الديمقراطية”، التي تتقاسمها إلهام أحمد مع رياض درار.
ولا تقتصر التشاركية بين المرأة والرجل في مناطق الإدارة الذاتية على الأمور المجتمعية بل أخذت منحًا عسكريًا، في الأشهر الماضية، إذ برز دور كبير للمرأة “الكردية” في المعارك الدائرة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في مدينتي الرقة وديرالزور ضمن تشكيلات “قوات سوريا الديمقراطية”.
عقوبات تصل إلى السجن سنتين
يمنع القانون تزويج الفتاة دون رضاها، أو إذا كانت قاصرًا، وتوضح ميادة أحمد، المسؤولة في المكتب القانوني في بلدية القامشلي، أن عقوبة تزويج الفتاة من دون رضاها حددت بالسجن من شهر إلى ثلاثة أشهر، إلى جانب غرامة مالية تتراوح بين 50 و100 ألف يدفعها الرجل.
كما يعاقب الرجل بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة، مع غرامة مالية تتراوح بين 100 و300 ألف، في حال تم الادعاء من قبل المرأة بعد الزواج.
وعرضت المسؤولة العقوبات الإضافية التي تترتب على مخالفي البنود ، ففي حال تزوج الرجل للمرة الثانية وتم كشفه بعد ذلك يعاقب بالسجن من سنة إلى سنتين وغرامة مالية 500 ألف ليرة سورية.
أما “إذا كان المخالف للقانون موظفًا في مؤسسات الإدارة الذاتية يفصل من عمله”، مشيرةً إلى أن “نفس العقوبة تشمل رجل الدين والشهود على العقد”.
و”في حال ظهر حمل الزوجة، ولم نعلم بالأمر إلا بعد الزواج، يتم التفريق بحكم مبرم بينهما ويضمن حقوق الطفل في النسب والنفقة أيضًا، ولا يجوز الطلاق بإرادة منفردة بل يجب أن يطلب الطرفان الطلاق”.
ردود فعل متباينة
وأعربت الشابة نافية محمد، إحدى قاطنات مدينة القامشلي، تأييدها لقانون منع تعدد الزوجات، وترى أنه مهمٌ نظرًا لـ”هجرة الشباب وزيادة العنوسة في المنطقة، ما يستدعي تفكير الزوج للارتباط مرة أخرى”.
وأشارت إلى أن “المرأة تعرضت على مر العصور للظلم وآن لهذا القانون أن يحمينا من الظلم والتسلط الذكوري (…) أنا مع عقاب الرجل بأشد العقوبات إذا تزوج مرة أخرى”.
لكن القانون يواجه انتقادات في المقابل، خاصة ممن ينظرون إلى الموضوع من زاوية دينية، إذ يتيح الدين الإسلامي التعدّد حتى أربع زوجات بشرط “العدل بينهن”.
في حين يرى الشاب همبرفان كوسه أن “تعدد الزوجات يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان”.
وقال لعنب بلدي “لا أعتقد أن القانون سيطبق بالشكل المرجو، لأن المجتمعات العشائرية تعتبر هذه العادة من الموروث الثقافي، ولا يمكن تجاوزه بسهولة، خاصة مع التأييد الكبير له من قبل رجال الدين والشخصيات المجتمعية”.
كما أن قسمًا كبيرًا من النساء المتقدمات في السن لا يؤيدن هذا القرار اعتمادًا على حججٍ جمّة، بحسب الشاب، الذي اعتبر أنه “يجب أن يصاحب تطبيق القانون الانطلاق بحملة توعية مجتمعية في المنطقة من شأنها أن تساعد في تنفيذه، فالمسوغات القانونية وحدها غير كافية”.