عنب بلدي- وكالات
“خفض التصعيد” و”تخفيف التوتر” و”مناطق آمنة” و”مناطق خالية من النزاع”، تسميات متعددة أطلقت على المناطق الأربع التي أعلنت عنها الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا)، الخميس 5 أيار، في اتفاقية عرفت بـ”اتفاقية أستانة”.
الاتفاقية التي تنص على عدم وقوع صدامات عسكرية بين الأطراف المتنازعة ووقف إطلاق النار، لم تمض دقائق عليها، حتى استأنفت قوات الأسد والميليشيات الرديفة محاولات اقتحام جديدة في ريف حماة الشمالي على وقع البراميل المتفجرة، وهو ما انسحب في اليوم الذي يليه على القابون الدمشقي وبعض مناطق درعا، ليضفي الواقع الميداني شكوكًا إضافية على الاتفاقية “الغامضة”، باعتبار أن المناطق التي يشملها “التخفيف” مازالت مجهولة.
اتفاقية “غامضة” بمصطلحات متعددة
بعد تعليق وتجاذبات سياسية وضغوط دولية، وافق وفد فصائل المعارضة إلى أستانة على حضور الجلسة الختامية منها، والتي شهدت توقيع اتفاق “تخفيف التوتر” أو “تخفيف التصعيد”، القاضي بوقف القتال والقصف الجوي في مناطق محددة، برعاية دولية تمثلت في روسيا وتركيا وإيران، علاوة على الأمم المتحدة.
ونشر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، السبت 6 أيار، مذكرة الاتفاقية، وأوضحت أنّ المناطق المشمولة هي: محافظة إدلب وبعض أجزاء مجاورة لها، وبعض أجزاء من محافظة حمص، وبعض أجزاء من محافظة درعا جنوب البلاد، بالإضافة إلى القنيطرة وشرق الغوطة.
ووفق المذكرة، فإنّ الاتفاق يعدّ “تدبيرًا مؤقّتًا” ومدته الأوّلية تصل إلى ستة أشهر، وتشير إلى “وقف الأعمال العدائية بين الأطراف المتنازعة”، وتعني بها قوات الأسد، وفصائل المعارضة في المناطق المشمولة بالاتفاق، ما يتيح وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.
كما تنصّ على اتخاذ تدابير لاستعادة مرافق البنية التحتية الأساسية، من شبكات مياه وكهرباء، وتوفير الفرصة للاجئين من أجل عودة “طوعية وآمنة” إلى هذه المناطق، كما تشمل “نقاط تفتيش لضمان حرية تنقل المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية وتعزيز النشاط الاقتصادي”، على أن يتم إنشاء مراكز مراقبة لخروقات وقف إطلاق النار.
وتلتزم الأطراف الضامنة للاتفاق بمحاولة إقناع مزيد من الفصائل المعارضة للدخول فيه، والعمل على منع حدوث خروقات، مع مواصلة قتال تنظيم “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة” الممثلة بـ “جبهة فتح الشام”، المنضوية في “هيئة تحرير الشام”، وفق المذكرة.
المعارضة قلقة
“الهيئة العليا للمفاوضات” أعربت عن قلقها من “غموض الاتفاقية”، واعتبرت أنها لا تعبر عن مفهوم “المناطق الآمنة” التي باتت مطلبًا للشعب السوري بعد تزايد جرائم النظام السوري الذي يحاول تمرير مشاريع تقسيم البلاد إلى “مناطق مفيدة” و”غير مفيدة” من خلال المضامين الغامضة.
كما أعربت عن قلقها من “غياب الضمانات وآليات الامتثال، وقصورها دون إدانة جرائم النظام وحلفائه، وخاصة جريمة استخدام السلاح الكيميائي في خان شيخون” في 4 نيسان الماضي، إضافة إلى “افتقار الاتفاق إلى أدنى مقومات الشرعية، وأن مجلس الأمن هو الجهة المفوضة برعاية أي مفاوضات معتبرة في القضية السورية”.
ورفضت الهيئة الاعتراف بالنظام الإيراني كضامن لأي اتفاقية، واعتبرت أن “إيران دولة معتدية يجب محاسبتها على الانتهاكات التي ارتكبتها بحق السوريين، من تهجير وتشريد وحصار وقصف همجي خلال السنوات الماضية، ولا تقبل بأي محاولات لشرعنة عدوانها من خلال أي اتفاقيات تمنحها دورًا سياسيًا أو عسكريًا على الأرض”.
كما رفضت أي حضور للنظام في المناطق التي يشملها الاتفاق، إذ أكدت أن قوى الثورة والمعارضة لن تقبل بمنح النظام من خلال تفاهمات إقليمية غير ملزمة من طرف واحد، ما يعجز الحصول عليه على أرض الواقع.
النظام يؤيّد ودول تنتظر كشف الغموض
المواقف الدولية تباينت من الاتفاقية بين مرحب لها وبين قلق منها في ظل الغموض الذي يرافقها، إذ أيد النظام السوري المقترح الروسي حول مناطق “تخفيف التوتر” بحسب وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
الولايات المتحدة الأمريكية أعربت عن قلقها نتيجة مشاركة إيران كضامن فيها، فقالت في بيان أصدرته وزارة الخارجية، الجمعة 5 أيار،”لا تزال لدينا بواعث قلق في شأن اتفاق أستانة، بما في ذلك مشاركة إيران تحت مسمى الضامن”، مشيرة إلى أن “أنشطة إيران في سوريا أسهمت في العنف ولم توقفه، ودعم إيران المطلق لنظام الأسد أطال أمد معاناة العامة من الشعب السوري”.
من جهته أيد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إقامة مناطق آمنة في سوريا، بحسب وكالة “رويترز”، السبت 6 أيار، لكنه أشار إلى أن “السعودية تنتظر مزيدًا من التفاصيل حول محادثات أستانة”.
وإلى جانب السعودية أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، رومان نادال، أن باريس تنتظر أن تترجم الاتفاقية على أرض الواقع، وأن “تتيح إيصال المساعدات الإنسانية بحرية وبصورة مستمرة ومن دون عرقلة إلى كل الأراضي السورية”.
وحول الحديث عن عودة اللاجئين إلى المناطق الأربع، اعتبر منسّق الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، فيليب لازاريني، أنّ “المناطق الآمنة” المذكورة في اتفاق “أستانة”، تبدو غير كافية لإقناع اللاجئين السورين بالعودة إليها.
وخلال مؤتمر صحفي عقده لازاريني، السبت 6 أيار، بمقر المنظمة الدولية في نيويورك، قال إنّ “إنشاء تلك المناطق لا يعد حلًا كافيًا لتلك القضية، لأن اللاجئين سيعودون في حالة واحدة فقط، عندما يشعرون بالثقة والأمان”.
الاتفاقية خطوة نحو التقسيم
محللون سياسيون اعتبروا أن الاتفاقية واقتراح مناطق “تخفيف التوتر” خطوة نحو التقسيم في حال فشل الحل السياسي بين الأطراف المتنازعة.
واعتبر مدير معهد المشرق للبحوث الاستراتيجية في العاصمة اللبنانية (بيروت)، سامي نادر، أن “الاتفاق الثلاثي الذي ستتولى الدول الراعية له مهمة نشر قوات فاصلة لها في المناطق بين المعارضة والنظام يكّرس مناطق نفوذ لكل من روسيا وإيران وتركيا عبر وجودها الحالي فيها، وقد يؤدي في مرحلة لاحقة إلى تقسيم في سوريا، لا سيما إذا فشلت العملية السياسية التي لا يبدو أن نتائجها ستكون إيجابية”.
وأوضح نادر في حديث إلى صحيفة “الشرق الأوسط”، أن “توزيع المناطق بهذا الشكل كأنه توزيع النفوذ بين الدول الراعية، التي قد تكون على الشكل التالي، في الغوطة وحمص سيكون تكريس للنفوذ الإيراني، وفي الشمال من إدلب باتجاه المتوسط للنفوذ الروسي، ومن إدلب باتجاه جرابلس للنفوذ التركي، ومن جرابلس شرقا إلى الجزيرة والحسكة للنفوذ الأمريكي، كذلك ستكون مناطق الجنوب من حصة المجموعات الموالية لإيران”.
كما اعتبر نادر أن “اتفاق أستانة مناورة سياسية بانتظار حسم واشنطن التي رّحبت بشكل جزئي بالاتفاق، وقد تحتضن الفكرة في محاولة منها لاستمالة روسيا وعدم التصعيد معها في وقت ترفع السقف مع إيران”، مشيرًا إلى أن الاتفاق يصعب نجاحه في غياب غطاء للأمم المتحدة.
وبين اختلاف التسميات وغموض الاتفاقية، يبقى السوريون يعيشون على أمل توصّل الأطراف المتنازعة إلى حل ينهي معاناتهم المستمرة منذ سنوات، لكنهم في الوقت نفسه يرفضون أي حل تكون إيران ضامنة له، وربما كان انتفاضة القائد العسكري في غرفة عمليات “فتح حلب”، الرائد ياسر عبد الرحيم، في وجه المجتمعين في أستانة وصراخه بأن “إيران مجرمون لا يوقعون.. لا نقبل بضمانتهم”، يعبر عن حال الكثير من السوريين.