مَرَقة المؤامرة الكونية

  • 2017/04/30
  • 6:24 م
أحمد عمر

أحمد عمر

أحمد عمر – المدن 

لنبدأ بقصة الخليقة، فهي قصة مؤامرة كونية، الشيطان أول من تبنى نظرية المؤامرة، ويروي النيسابوري الثعلبي في “العرائس” أن إبليس وكان من الجن، والجن من نار، مرَّ بهيئة آدم التي خلقها الله من الطين..

قاطعني بشير: خال هناك بشر من طين وبشر من علكة وبشر من حجر صوان ..

ويشير شاب سوري ناشط، نازح، متوقد، اسمه بشار، ويشعر من اسمه بالعار، فبدله إلى بشير، وكان قد اعتقل، ونجا بشفاعة اسمه، فهرب بعدها من هول ما رأى في المعتقلات. استقبلته وانضم إلينا نوري، وتولى بشير أمور المائدة تطوعاً، وحشا فرختين بما لذّ وطاب من الرز المفلفل والمكسرات، وأودعهما كما أودع النظامُ الشعبَ السوري بيت النار، كنت قد اقترحت أن نسلق فرخةً ونشوي ضرتها، ذلك أدنى ألا تعولوا، فأنا إلى مذهب السلق أميل، وأحبُ لحم الطيور عائمة في بحيرة المرق والإدام، لكن لا رأي لمن لا يطاع، والضيف مخدوم، والكريم مسترّق.

كنت قد شرحت لنوري المعنى السياسي لسقف الوطن، وانتهيت معه إلى أنه كعب الجزمة العسكرية، فسألني وهو يضع يده في زناري كالعادة، وزناري مطاطي وطري: خال اشرح لي معنى المؤامرة، فلقوا رأسي بالمؤامرة؟

تابعت: انتظر حتى أنتهي من صوغ تأويل الخبر. تعجب إبليس من جمال صورة آدم وطول قامته، وشعر بالحسد، فقال: لأمر ما خُلقت؟ أي أنه عدَّ خلق آدم مؤامرة عليه، ثم قال لأصحابه والرفاق أرأيتم أن فُضّل هذا عليكم فما أنتم فاعلون؟ قالوا نُطيع ربنا. فقال في نفسه: والله لئن أُمرت بهذا لأعصينّه، ولئن فُضّلت عليه لأهلكنّه.

أثنى نوري على روايتي شاتماً إبليس: يلعن روحه..

تابعت: وجاء في الخبر أنّ جسد آدم قبل أن ينفخ الله فيه من روحه، بقي ملقى أربعين سنة..

قال بشير: خال النظام صار له 47 سنة، هرمنا خال.. بالشرف بالناموس هرمنا.

تابعت: كان يمطر على الجسد الطيني مطر الحزن أربعين سنة، ثم أمطر الله عليه مطر السرور سنة واحدة، فلذلك كثرت الهموم في بني آدم وتصير عاقبتها إلى الفرح والسرور.

قال بشير المتوقد كرأس الحية: العكس حدث عندنا، مطر الفرح -والفرح مقاومة كما يقولون- كان يمطر على النظام، وعلينا يمطر مطر الحزن والبراميل.

تابعت: ونفخ الله فيه من روحه، فما كان في الإنسان من خير فهو من روح الله، وما فيه من شرٍّ فهو من طين الأرض، ومن جولة إبليس في الجوف.. وجاء في الخبر أن إبليس مرّ بالجسد فدقّ عليه فوجده أجوف، فدخل في فيه، وخرج من دبره..

قال بشير، وقد صار يفضل مناداتي بالخال مثل نوري: خال إبليس دخل في هذا الرئيس ولم يخرج.

تابعت رواية النيسابوري الثعلبي: وكان الله قد أخذ طينة آدم من أدمة الأرض، فرأسه وجبهته من تراب الكعبة، وصدره وظهره من بيت المقدس، وفخذيه من أرض اليمن، وساقيه من أرض مصر، وقدميه من أرض الحجاز، ويده اليمنى من المشرق، ويده اليسرى من المغرب.

قاطعني بشير: خال.. أبو منجل خلق من زفت القرداحة.. هذا ليس من طينة الأرض، هذا مخلوق من “الشيت”.

تابعت: وبعد أن خلقه الله في أحسن تقويم، قال للملائكة اسجدوا لآدم.. وهو سجود تحية، سجود لطاعة الله وليس سجود عبادة.

قاطعني بشير: أمرَنا النظام أن نسجد لرأس النظام المنضم، الأمر بالمقلوب عندنا خال..  والسجود للرئيس عندنا كان سجود استعباد.

تابعت: قال المفسرون: إن الله لما خلق آدم كان يمشي في الجنة وحيداً، وحشياً، لم يكن له من يؤانسه ويجالسه، فألقى الله عليه النوم، فأخذ الله ضلعاً من أضلاعه يسمى القصيرى، فخلق منه حواء من غير أن يحسَّ آدم بذلك.

قال نوري منتشياً: فعلاً الحب يقع في غمضة عين.. خال ضلعي القصيرى بدأت تنبض، بل هي ترقص على لحن أغنية: ده ليللي ..

قلت: ولو تألم آدم لما عطف رجل على امرأة.

قال بشير: والنظام المنضم خلق لكل واحد من الرعية مخبراً من أضلاعه.

تابعت: وجاء في الأثر أن حواء خلقت من ضلع أعوج.

قال نوري وهو يمثل بيديه: أحلي شيء هو العوج، أعوجٌ خلقةً، وهو كناية عن التثني، ورفع عقيرته بالغناء: قدّك المياس يا عمري..

تابعت: فإن تُقمها تكسرها، وإن تتركها تستمتع بها على عوجها..

قال نوري:صحيح خال.. بالناموس صحيح.. تكبير خال..

قلت: الله أكبر.. وأراد إبليس أن يوسوس لآدم فمنعته الملائكة، فأتت الحية، وكانت من دواب الجنة وتشبه البعير، وكانت لإبليس صديقةً، فطلب منها أن تدخله الجنة، فأدخلته في فيها..

قال بشير: خال: أنت الآن تتحدث عن مؤامرة ثورة الثامن من آذار المجيدة، وكان الحكام وقتها من دواب الجنة، لأنهم قبلوا باللجنة العسكرية ودخلت في أفواههم..

قلت: دخل إبليس، ورأى النعيم فقال: طيبٌ لو كان خالداً، قال لهما ربهما:”وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ..”

قال بشير: وهكذا فرضت ثورة الثامن من آذار الأحكام العرفية وقانون الطوارئ من أجل الخلود، وحرموا علينا الاقتراب من شجرة السلطة.

قلت: وحاول إبليس بلوغ شجرة الخلد، فمنعته الملائكة خازنة الجنة، فرأى الطاووس..

قال بشير: أظن أن الطاووس هو رمز جمال المُلك، أو لعل تأويله الفن خال؟

قلت: فوسوس له وبكى بين يديه، فأخذه الطاووس إلى الحية، فرضيت الحية بتهريب إبليس في فمها، وكان إبليس قد حول نفسه إلى ريح سامة، فانتهى إلى آدم، فناح عليهما نياحة عظيمة، فقالا له: ما يبكيك؟

قال بشير: يبكي على الوطن مثل دريد لحام وسلوم حداد على الجزمة، بكاء التماسيح..

قلت: اصبر يا أبا البشر.. المهم أنه قال أبكي عليكما، تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعيم والكرامة، فوقع ذلك في نفسيهما وانغمّا، ثم قال لهما: هل أدلكما على شجرة الخلد وملك لا يبلى، فدلهما إلى الشجرة، قالا: ولكن نهانا ربنا عنها!

قلت: وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ

وما كانا يظنّان أن أحداً يحلف بالله كذبا.

قال بشير: والنظام حلف بالله على أن يرعى مصالح الشعب وصدقناه، وتذوقنا من شجرة الحرية، فصرنا عراة في وطننا وخارجه..

قال نوري: بشير الكوني مثل بشار فيلسوف خال.

سمعنا صوت زمور الحريق، فأسرعنا إلى الفرن، كانت الفرختان الكونيتان قد تفحمتا، وامتلأ المطبخ بالدخان الكوني، فأسرعنا بفتح النوافذ، وستر الفضيحة قبل حضور سيارة الإطفاء الكونية.

صدق نوري، وهي آفة الثورة السورية، إنها لا تسمع، وإذا سمعت لا تطيع، ولا توقر الكبير، ولا تعطف على صغير، وإن تعبير المؤامرة الكونية يعكس شعور رأس النظام بالألوهية، والخلاصة أن الشابين أفسدا عليّ تأويل المروية الإسرائيلية الإسلامية، وكنت أريد أن أقول في النهاية: إن المسألة أمر، وليست مؤامرة، فلم يسلّ سيف في الإسلام كما سُلّ على الإمامة والأمر والإمارة، كما قال الشهرستاني.

كنت أنظر في أمر الفرختين المتفحمتين، وقد أضوانا الجوع، وقلت لو أنّ بشيرا ونوري رضيا بمذهب الطبخ في قِدر، لنجت الفرختان من الحرق وفزنا ببعض المرق، ففيه وقاية وبلاغة، فنار الشيّ من كل الجوانب حارقة مثل الشوق، ونار السلق من تحت فقط. وبحثتُ عن لقمة ناجية، فلم أجد سوى الرمح الرديني باكيا، وأمسكت لساني عن اللعن..

أبيت اللعن..

وقلت لعمري هذه مؤامرة كونية..

مقالات متعلقة

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية