عنب بلدي – خاص
لم تكن الفترة التي سبقت “تحرير” مدينة الباب من قبل فصائل “الجيش الحر” كتلك التي تلتها، فقد فُتحت مرحلة جديدة من العمليات والخطط العسكرية لمختلف القوى الكبرى المتحكمة على الأرض، والتي أفضت إلى دخول قوات الأسد بدعم واتفاق روسي إلى خط التماس بين فصائل “الحر” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في مدينة منبج شرق حلب.
بيان عسكري يمهد الطريق للأسد
بعد أقل من عشرة أيام من سيطرة الفصائل العسكرية المنضوية في “درع الفرات” على مدينة الباب، ووصولها إلى الحدود الإدارية لمدينة منبج بعد التقدم السريع على الجهة الجنوبية الغربية، أعلنت “قسد” أنها سلمت قرىً إلى قوات الأسد، تقع على خط التماس مع الفصائل غرب المدينة.
ونشر “المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها”، المنضوي ضمن “قسد”، بيانًا في 2 آذار الجاري أكد فيه تسليم قرىً للنظام “بهدف حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والدماء، وما تحمله من مآسي”.
وأضاف البيان أن التسليم جاء “حفاظًا على أمن وسلامة مدينة منبج وريفها، وقطع الطريق أمام الأطماع التركية باحتلال المزيد من الأراضي السورية”.
ومنذ أن سيطرت القوات الكردية على منبج، في آب من العام الماضي، تنفي أي وجود لقوى عسكرية تعمل تحت رايتها، عدا “مجلس مدينة منبج العسكري”.
وعقب السيطرة أكدت تركيا نيتها طرد القوات من المدينة الواقعة أقصى شرق حلب.
كما ذكر البيان “سلمت القرى لقوات حرس الحدود التابعة للدولة السورية، التي ستقوم بمهام حماية الخط الفاصل بين قوات مجلس منبج العسكري ومناطق سيطرة الجيش التركي ودرع الفرات”.
تركيا تهدد و“الحر” يتوعد
بعد عملية التسليم التي قامت بها القوات الكردية شرق حلب، والتخمينات المتباينة بشأن الموقف الذي ستتخذه تركيا من هذه العملية، قال وزير الدفاع التركي، فكري إشيق، إن “أولوية تركيا هي تحرير مدينة منبج، وننتظر من التحالف الدولي، وفي مقدمته أمريكا، الالتزام بوعودها”.
إضافةً إلى أن “تركيا تنتظر بشكل قاطع انسحاب عناصر (pyd) و(pkk) من غرب نهر الفرات.. هذا ما تعهدت به أمريكا لتركيا، وننتظر تنفيذ هذا التعهد بأقرب وقت”.
وتواصلت عنب بلدي مع قادة في “الجيش الحر”، المنضوين في “درع الفرات” المدعومة تركيًا، للوقوف عما ستؤول إليه الساحة العسكرية في الأيام المقبلة.
وقال العقيد أحمد عثمان، إن فصائل “الجيش الحر” ستواصل تقدمها “بغض النظر عن العدو الذي أمامها”، مضيفًا “سنستمر حتى تحرير منبج، ولنا هدف هو الوصول إلى مدينة الرقة”.
من جهته، أوضح النقيب سعد الدين صومع، قائد اللواء الأول في “فيلق الشام” العامل في “درع الفرات”، “نعلم منذ سنتين أن قسد والنظام كيانٌ واحد رغم اختلاف التسمية، وهذه الخطوة التي قامت بها قسد لم تكن مستبعدة أبدًا”.
وأكّد صومع “نحن في درع الفرات قلناها مرارًا وتكرارًا، أننا سندخل إلى منبج سلمًا أو حربًا، وسنستمر في تطهير أرضنا من الطغاة والغلاة والانفصاليين”.
وشدّد الضابط على أن “العمود الفقري لمقاتلي درع الفرات هم من شباب منبج، ولديهم العزيمة القوية لتحرير بلدهم من الانفصاليين مهما كانت التكلفة”، بحسب تعبيره.
“صفعة” روسية.. المصفحات تدخل والراية تُرفع
في اليوم الثالث من بيان المجلس العسكري لمنبج، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) أن النظام السوري والحليف الروسي أرسلا قوافل إنسانية وعربات مصفحة إلى المدينة.
المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، جيف ديفيس، قال “نعلم أن هناك قوافل إنسانية يدعمها الروس والنظام السوري متجهة إلى منبج… هذه القوافل تشتمل على سيارات مصفحة”.
وبالتزامن مع الإعلان الأمريكي نشرت وسائل إعلام روسية صور المصفحات المتجهة إلى منبج وقالت إنها “مساعدات إنسانية”، إضافةً إلى رفع الراية الروسية إلى جانب راية المجلس العسكري الكردي فوق إحدى المقرات العسكرية في المدينة.
وكانت هيئة الأركان العامة للجيش الروسي استبقت هذا التحرك بإعلان سابق أن “وحدات من القوات السورية ستدخل المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية، بدءًا من الجمعة 3 آذار”.
ولم تتبيّن مآلات الساحة العسكرية وخريطة القوى اللاعبة في الريف الشرقي من حلب، خاصة مع تشديدات تركية على دخول المدينة يؤكدها قادة “الجيش الحر”، لكن يقابلها إعلانات روسية معاكسة تصرّ على دخول قوات الأسد وسيطرتها على المدينة.
وتعتبر هذه التطورات بمثابة “صفعة” للحكومة التركية، يمكن أن تثنيها عن تنفيذ تهديداتها السابقة، فقيام حرب مفتوحة بين “قسد” والجيش التركي وكلاهما حليف لواشنطن، يعني تسديد ضربة قوية للسياسة الأمريكية في المنطقة.