الزيارة التي قام بها سوريون يزعمون أنهم يمثلون المعارضة السورية إلى إسرائيل، أطلقت نقاشاً واسعاً في أوساط السوريين والعرب عموماً، خصوصاً في الولايات المتحدة. وبعد الهجوم الحاد الذي تعرض له المشاركون السوريون في المؤتمر الإسرائيلي، انبرى نفر من المعارضين السوريين للدفاع عنهم بحجة أن الشعب السوري يتعرض للإبادة وحده، وأنه بحاجة إلى أي مساعدة يمكنه الحصول عليها “حتى لو من الشياطين”. على أن الزيارة أظهرت سذاجة جزء من السوريين، والعرب عموماً، حول إسرائيل وما يحرّكها.
عند العرب اعتقاد سائد وخاطئ، مفاده أن إسرائيل تحكم العالم، وتتحكم بقرارات الدول، وفي طليعتها الولايات المتحدة. وعند بعض العرب اعتقاد خاطئ آخر مفاده أن إسرائيل قائمة على مفاهيم عصر التنوير، مثل حقوق الانسان والحرية والعدالة والديموقراطية، ويستدلون على إنسانية إسرائيل بالإشارة إلى أن وضع الفلسطينيين ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية أفضل بكثير من أقرانهم في معظم الدول العربية. لذا، لا ضير من الاستنجاد بإسرائيل، وهو ما فعله بعض مسيحيي لبنان في الماضي، والرئيس السوري بشار الأسد، واليوم بعض من يزعمون أنهم في المعارضة السورية.
إسرائيل لا تسيطر على العالم، وهي بالكاد تسيطر على نفسها، إذ تسودها الانقسامات المذهبية والحزبية أفقياً وعمودياً. وفي إسرائيل زمرة فاسدة حاكمة، مؤلفة من عسكر ومتمولين، وهي زمرة تدير السياسة والسياسيين، خصوصاً اليمين الإسرائيلي الحاكم اليوم. ومثل دول كثيرة أخرى، يخفي العسكر والمتمولون مصالحهم خلف خطابات تحريض وكراهية، مثل تحريض رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو المستمر ضد الأعداء من كل حدب وصوب، بمن فيهم الفلسطينيون، والعرب، وحتى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والحزب الديموقراطي الأميركي عموماً.
وفي إسرائيل كذلك من هم أصحاب ضمير، يدركون أن دولتهم غارقة في عنصريتها ورهينة زمرة عسكرية واحتكارية مالية، وهؤلاء غالباً ما ينشطون لتوثيق ونشر جرائم حكومتهم، وهدمها المتواصل لبيوت الفلسطينيين، ورشّها أحياء الفلسطينيين بماء الصرف الصحي، وقتلها المارة من الفلسطينيين عشوائياً، أو احتجازهم لساعات طويلة على حواجز عسكرية. هؤلاء صحافيون وأكاديميون إسرائيليون يكتبون ضد ظلم إسرائيل وفساد السلطة الفلسطينية. هؤلاء يمكن للعرب، وخصوصاً العرب الأميركيين، التواصل معهم، والعمل سوياً ضد الظلم الذي يلحق بالفلسطينيين، والسوريين، والعراقيين وغيرهم.
والتواصل لا يعني زيارة إسرائيل، فالزيارة تعني حكماً المرور بأجهزة الأمن الإسرائيلية، وتعني تحقيقات كثيفة في مطار بن غوريون، فإذا كان العرب من زوار إسرائيل يدعون أنهم انتفضوا ضد حكامهم وأجهزة استخبارات هؤلاء الحكام، فكيف يسكتون على الذلّ الذي يلحق بهم أمام التحقيقات الإسرائيلية؟
أما من يعتقد من العرب أنه يمكن لهم التحالف مع حكام إسرائيل على خصومهم، فهؤلاء لا يعرفون إسرائيل. الحالات النادرة التي أسعفت فيها إسرائيل من استنجد فيها، كانت للحفاظ على مصلحة إسرائيلية واضحة، مثل أمن الحدود الشمالية الشرقية، كما في حالة الرئيسين الأسد الأب والابن. وفي يوم من الأيام، قال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق الذي يعمل مستشاراً سياسياً للأمين العام للأمم المتحدة جيفري فيلتمان، إن إسرائيل هي التي فتحت الباب لبشار الأسد للخروج من عزلة دولية كانت مفروضة عليه بعد مقتل رئيس حكومة لبنان رفيق الحريري في 2005.
هكذا هي إسرائيل، تعمل لمصلحتها حصراً، وتقدم عملها على أنه إنساني. مثلاً القلّة من الجرحى السوريين ممن تلقوا العلاج في عيادات إسرائيلية في الجولان المحتل، تعرضوا لاستنطاق الاستخبارات الإسرائيلية حتى يتمكن الإسرائيليون من رسم خريطة القوى الثورية السورية، وتحديد من مع من، وهو السبب نفسه الذي دفع إسرائيل إلى تقديم إنترنت وخدمة خليوية مجانية جنوب سوريا، لمراقبة المعارضين السوريين والتنصت عليهم، لا مساعدتهم.
ويوم استمهل رئيس لبنان المنتخب بشير الجميل رئيس حكومة إسرائيل مناحيم بيغن حتى يبني تأييداً وطنياً قبل توقيع معاهدة سلام مع اسرائيل، صاح فيه بيغن، ولم تكترث إسرائيل لمقتل الجميل في ما بعد. ولما آوت إسرائيل مقاتلي لحد، رمتهم في الشارع من دون تأمين أدنى مقومات الحياة الكريمة لحلفائها السابقين.
ومن يعتقد أن إسرائيل حليفة في ضرب مواقع تابعة للأسد أو “حزب الله” اللبناني داخل سوريا، فليتأمل كيف تراقب إسرائيل وتقصف شحنات الأسلحة، ولكنها وقفت تتفرج في ما غوطة دمشق تتعرض لقصف كيماوي على مدى ساعات، علماً أن الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية كانت تراقب تحريك الأسد أسلحة كيماوية وكانت في حال استنفار.
ختاماً، كان فاضحاً مضمون ما قدمه أحد السوريين في إسرائيل: دعا لاستقلال كردي، ولكنه في الوقت نفسه اعتبر أن مصلحة سوريا وإسرائيل تتشابه في القضاء على “حزب الله”، وهو أمر محير أن يتحدث استقلالي كردي باسم مصلحة سوريا ككل.
لندع الخطاب القومي وفلسطين جانباً، ولنعتبر أننا نعترف بدولة إسرائيل ولـ”يسطفل” الفلسطينيون. ولكن كيف نكون عرباً أحراراً ونرى في دولة مذهبية استخباراتية عسكرية فاسدة حليفاً؟ كيف نثور على الديكتاتوريين العرب ونعتقد أن في إسرائيل، الغارقة في فسادها، حلفاء لبناء الديموقراطيات التي ننشدها؟
أخطأ هؤلاء السوريون.