بدأت الولايات المتحدة التحضير لضربة عسكرية محدودة الهدف ضد النظام السوري، ردًا على استخدام السلاح الكيماوي بحق المدنيين وفق تقرير للإدارة الأمريكية يثبت تورط الأسد، لكن الرئيس الأمريكي ربط قراره بالبدء بأي تحرك عسكري بموافقة الكونغرس، فيما أعلن النظام السوري أنه جاهز للرد، وسط انقسام الدول الأوروبية بين من يصر على «تأديب الأسد»، ومن يحذر من نتائج أي تدخل على المنطقة وعلى «النظام العالمي»، في الوقت الذي يشهد فيه شرق المتوسط تحركًا للبوارج الأمريكية وحلفائها.
بانتظار موافقة الكونغرس
أحال الرئيس الأمريكي باراك أوباما قراره بتوجيه ضربات عسكرية إلى أعضاء الكونغرس، مشيرًا إلى أن القوات العسكرية الأمريكية جاهزة لتنفيذ القرار، لكنه لم يحدد موعدًا لها «هذه الضربات ستكون فاعلة غًدا أو الأسبوع المقبل أو بعد شهر من الآن وأنا مستعد لإعطاء هذا الأمر».
ويتطلع قرار أوباما إلى «تحرك محدود» و»ليس التزامًا مفتوحًا» وهذا ما أكده بعد اجتماع مع فريق الأمن القومي ليل السبت 31 آب إذ قال «نعمل على أن تكون الضربة ضد نظام الأسد محدودة النطاق»، مؤكدًا «لن ندخل في حرب برية في سوريا على الإطلاق»، فيما شدد على أن استخدام الكيماوي يهدد مصالح الأمن القومي الأمريكي وحلفاء أمريكا في المنطقة، ويمثل «تحديًا» للعالم للرد على انتهاكات الأسد، مشيرًا إلى أن العالم يجب أن يتحمل واجبه تجاه استخدام الأسلحة المحرمة.
فيما قالت الناطقة باسم مجلس الأمن القومي كيتلين هايدن أن الرئيس «سيبني قراره بناءً على ما هو أفضل لمصلحة الولايات المتحدة… إنه يعتقد أن هناك مصالح أساسية للولايات المتحدة على المحك وأن الدول التي تنتهك القواعد الدولية المتعلقة بالاسلحة الكيماوية يجب أن تحاسب».
تصريحات أوباما وافقتها تصريحات لوزير خارجيته جون كيري وصف فيها الأسد بأنه «سفاح ومجرم»، مؤكدًا في بيان للبيت الأبيض بأن نظام الأسد استخدم السلاح الكيماوي بـ»قدر عالٍ من الثقة»، ما يبرر أي تحرك عسكري بأمر من الرئيس أوباما، وقال كيري بأن الاستخبارات الأمريكية تأكدت من تحضير وحدات من جيش الأسد قامت باستخدام الكيماوي قبل ثلاثة أيام من وقوع الاعتداء في الغوطتين، محملًا المسؤولية لنظام الأسد عن «جريمة ضد الإنسانية» أسفرت عن 1429 شهيدًا.
وأضاف كيري بأن «المسألة لم تعد تتعلق بما نعرف بل بماذا سنفعل»، منوهًا بأن القضية تتعلق أيضًا «بإيران وحزب الله، ومبدأ المحاسبة والإفلات من العقاب».
وحول انتظار نتائج عمل مفتشي الأمم المتحدة التي غادرت سوريا، أوضح كيري بأن مهمة المفتشين تقتصر على التحقق من استخدام الكيماوي دون أن يحددوا الجهة التي استخدمتها لأن هذا ليس في تفويضهم، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستتصرف «بناءًا لجدولها الزمني الخاص».
مؤازرة فرنسية ومطالب تركية
الولايات المتحدة ليست وحدها من تسعى لعمل عسكري ضد الأسد، إذ لم يستبعد الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند في مقابلة مع صحيفة «لوموند»، توجيه «ضربات جوية» قبل يوم الأربعاء القادم موعد انعقاد الجمعية الوطنية الفرنسية اجتماعًا لمناقشة الموضوع السوري، معلنًا أن رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة لن يؤثر في موقف فرنسا الداعي إلى تحرك «متناسب وحازم» بسبب الهجوم الذي قال إنه ألحق ضررًا «لا يمكن علاجه» بالشعب السوري.
ورد أولاند على سؤال حول هدف التدخل بأنه «لا يؤيد تدخلًا دوليًا يهدف إلى تحرير سوريا أو الإطاحة بالديكتاتور»، مكتفيًا بأن الضربات ستكون عقابًا على استخدام الكيماوي فقط «لا يمكن ولا يجب أن تمر المجزرة الكيماوية في دمشق من دون عقاب، وإلا واجهنا خطر تصعيد من شأنه التهوين من استخدام مثل هذه الأسلحة مع تعريض دول اخرى للخطر».
بدوره رفض رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الاكتفاء بعملية عسكرية محدودة مطالبًا بأن يهدف التدخل إلى إسقاط نظام الأسد، ونقلت قناة «ان تي في» الإخبارية عن أردوغان قوله بأن «عملية محدودة لن ترضينا»، مضيفًا «ينبغي القيام بتدخل كما حصل في كوسوفو، لأن تدخلًا ليوم أو يومين لن يكون كافيًا، ويجب أن يكون الهدف إجبار النظام على ترك السلطة».
لن يشاركوا
وكان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أعلن بأنه لن يتخطى البرلمان بشأن عمل عسكري في سوريا، بعد أن خسر يوم الجمعة 30 آب تصويتًا في البرلمان بأغلبية 285 صوتًا مقابل 272، لكن وزير الدفاع البريطاني توقع أن يمضي العمل العسكري ضد سوريا قدمًا على الرغم من عدم مشاركة بلاده.
ألمانيا سارت أيضًا على خطا بريطانيا إذ صرح وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي في مقابلة صحافية بأنه «لم يطلب منا المشاركة» في عملية ضد سوريا «ولا نفكر» في مثل هذه المشاركة، رغم أن برلين أعلنت الاثنين الماضي عن دعمها لتحرك الأسرة الدولية ردًا على الهجوم ضد المدنيين بالأسلحة الكيماوية.
كما استبعد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرسن فوغ راسموسن مشاركة مباشرة للحلف في سوريا، إذ قال « لا أرى دورًا للحلف الأطلسي في رد دولي» ضد الأسد، لكنه اعتبر استخدام السلاح الكيماوي «عمل مرعب وفظيع»، كما «يتطلب ردًا دوليًا لعدم تكراره».
الأسد: سوريا ستدافع عن نفسها
تحركات الولايات المتحدة وحلفاؤها قابلها تصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية سانا عن الأسد بأن سوريا «ستدافع عن نفسها ضد أي عدوان»، مضيفًا أن سوريا «بشعبها الصامد وجيشها الباسل ماضية ومصمّمة على القضاء على الإرهاب الذي سخّرته وتدعمه إسرائيل والدول الغربية خدمة لمصالحها المتمثلة بتقسيم المنطقة وتفتيت وإخضاع شعوبها».
وعقب خروج بعثة مفتشي الأمم المتحدة بخصوص الكيماوي يوم السبت 31 آب، أعلن مسؤول أمني سوري لوكالة فرنس برس بأن النظام السوري يتوقع «العدوان في كل لحظة، ونحن جاهزون للرد في كل لحظة»، معتبرًا التصريحات الأمريكية «مهزلة» وأن «قضيتهم قضية خاسرة وغير عادلة، ولا تمت بصلة إلى الأخلاق والقانون الدولي».
وأصدرت وزارة الإعلام السورية أمرًا بإلغاء كافة برامج المنوعات والمسلسلات والبرامج الثقافية التعليمية بجميع القنوات الفضائية الرسمية، والبدء بالإعلام العسكري منذ صباح السبت، وبدأ التلفزيون الرسمي باستضافة مجموعة من المحللين السياسيين والعسكريين يؤكدون على «الصمود بوجه العدوان»، في تصريحات تعيد للأذهان تصريحات صدام حسين ووزير إعلامه الصحاف أثناء الغزو الأمريكي للعراق 2003.
حلفاء الأسد
وكانت روسيا قد أعلنت على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أنها لن تنجر إلى عمل عسكري في سوريا، لكن الرئيس فلاديمير بوتين انتقد يوم السبت «الاتهامات الأمريكية» لنظام الأسد، واصفًا إياها بـ «محض هراء»، مطالبًا أوباما بالتخلي عن خطط القيام بعمل عسكري منفرد لأن ذلك سيكون أمرًا «مؤسفًا للغاية»، وشكك بوتين بتقرير البيت الأبيض، مطالبًا الإدارة الأمريكية بالأدلة.
الكرملين بدوره حذر من أن التدخل العسكري سيوجه «ضربة خطيرة» للنظام العالمي القائم على الدور المركزي للأمم المتحدة، وفق تصريح المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف للصحافيين.
أما طهران فقد حذرت الثلاثاء 27 آب من أن استخدام الوسائل العسكرية ضد حليفتها سوريا سيعود بتداعيات «وخيمة» على المنطقة كلها، حسب ما نقلته وكالة الأنباء فارس عن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس عراقجي. كما صرح معاون رئيس هيئة الأركان الإيرانية المسلحة العميد مسعود جزائري يوم الأربعاء بأنه «إذا أقدم الغرب على أي عمل عسكري، فالشعب السوري سيقاوم وينتصر، ونيران هذه المعركة ستحرق الكيان الصهيوني» على حد تعبيره.
يذكر أن مياه البحر المتوسط تشهد مؤخرًا تحركات للبوارج الأمريكية، فقد أرسلت القوات الأمريكية بارجة جديدة بالإضافة إلى 5 مدمرات سابقة مزودة بصواريخ كروز وتوماهوك، كما أرسلت بريطانيا ست طائرات حربية من طراز «تايفون» إلى قاعدة «أكروتيري» التابعة لها في قبرص، لكنها وصفت هذه الخطوة بالإجراء الاحتياطي لحماية المصالح البريطانية، وأنها لن تشارك في أي عمل عسكري ضد سوريا، فيما تشهد الحدود السورية مع الأردن وتركيا والأراضي المحتلة في الجولان تجهيز بطاريات دفاعية ضد أي هجوم متوقع.