لم تعد القضية السورية منحصرة بثورة عارمة ضد الاستبداد، فلابد من تحولها إلى حركة مقاومة شعبية للتدخل الروسي والإيراني والمتعدد الجنسيات، ومع نهاية شهر سبتمبر 2016 يكون قد مضى عام على التدخل الروسي المباشر، فضلاً عن الاحتلال الإيراني الذي أرسل قواته الطائفية (اللبنانية) تمهيداً للاحتلال، ثم أضاف إليها عدة مليشيات من العراق ومن مرتزقة جاؤوا من مختلف الجنسيات، كما وقعت سوريا تحت احتلال آخر من قبل تنظيم «داعش» الذي أعلن «خلافة» مزعومة على مناطق واسعة في الشرق السوري فضلاً عن مناطق عراقية! ولم تكن التنظيمات المتطرفة أقل خطراً، فقد أسهمت في تشويه صورة الثورة السورية التي تحولت في كثير من ملامحها إلى صراع دموي غابت عنه شعارات الحرية والكرامة، وبات الشعب كله يعرف أن النظام دفع إلى حضور هذه التنظيمات المتطرفة ومكنتها بعض الدول بالتمويل والتسليح لتساعد النظام في رسم المشهد على أنه صراع بين السلطة العلمانية وبين الإرهاب الديني! وربما كان السماح لـ«حزب الله» بدخول سوريا براياته الطائفية نوعاً من التحريض لظهور تنظيمات مشابهة ترفع شعارات دينية مواجهة. وكادت المطالب الشعبية تضيع بين صراع الرايات المذهبية، وهذا ما دعانا في الهيئة العليا للمفاوضات إلى تحديد واضح لرؤية الشعب في بيان الرياض، وفيما قدمناه حول الإطار التنفيذي للمرحلة الانتقالية.
واليوم بعد مرور عام على التدخل الروسي في سوريا يقف العالم عاجزاً أمام إصرار الروس على سحق المعارضة السورية، تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وهو يرى أن القصف يطال المدنيين بخاصة، والصور التي يتناقلها الإعلام العالمي تكشف كون الأطفال هم الضحايا الأكثر تعرضاً للقتل، وأن ادعاء روسيا أنها تقصف إرهابيين هو مجرد تغطية على مشروعها في سحق المعارضة وتهجير السكان، وكل من عارض النظام.
وما حدث في داريا والمعضمية والوعر والغوطة وما يحدث في العديد من المناطق المحاصرة وأهمها اليوم حلب التي يتعرض فيها أكثر من 600 ألف شخص لخطر الموت الجماعي، عبر تصعيد القصف واستخدام أحدث أنواع أسلحة التدمير، كله يتم على مرأى العالم، ويخفق مجلس الأمن في إيقافه، بل يخفق حتى في إدخال المساعدات التي قصفت قوافلها الأممية في تحد للإنسانية كلها.
وما تزال روسيا تدعي أنها راعية للحل السياسي، وهي التي عطلت هذا الحل، ومنعت مجلس الأمن من تنفيذ قراراته، وبات الأميركان يتراشقون معها التصريحات حول خفايا الاتفاق بين كيري ولافروف، بينما الطائرات ترشق المدنيين بالقنابل ويموت المئات تحت الأنقاض، وتهدم المشافي كي لا يجد الجرحى فرصة للعلاج.
ومع إصرار روسيا على تحويل تدخلها في سوريا إلى انخراط طويل الأمد، عبر إنشاء المزيد من القواعد العسكرية والمطارات، وعبر نيابتها عن السلطة الحاكمة على رغم ادعائها أنها تراها شرعية، أجد من الضروري أن تتحول الثورة السورية إلى حركة تحرير وطني، وينبغي أن ينخرط فيها السوريون جميعاً.
لقد أجرت وفود عديدة من المعارضة الوطنية حوارات مع قادة روسيا، ولم يرفض أحد وجود مصالح متبادلة بين البلدين، وكانت المعارضة حريصة على ألا تكون في مواجهة عدائية مع روسيا، وأن يبقى هدفها تحقيق الحرية والكرامة والانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية وإقامة علاقات متوازنة مع كل دول العالم، ولكن روسيا أصرت على مواجهة الشعب السوري.
ومع انسداد الأفق السياسي ودخول الولايات المتحدة في سبات ما قبل الانتخابات الرئاسية فيها، وعجز الاتحاد الأوروبي عن فعل شيء خارج إرادة روسيا وأميركا، ومنع الولايات المتحدة حصول المعارضة المسلحة على مضادات للطيران الروسي، فإن المدنيين في الشمال السوري سيتعرضون لاستهداف ممنهج، والذريعة أن الإرهابيين يعيشون بينهم، وملايين الأطفال والنساء والجرحى والمعوقين والعجزة سيواجهون ما هو أخطر من الجحيم، ولن يجدوا ملجأً يأوون إليه، والروس يطلبون منهم أن يخرجوا من حلب ومن إدلب، وهم لا يعرفون إلى أين يذهبون، والطائرات تلاحقهم بحممها.
إننا نطالب العالم كله باتخاذ مواقف حاسمة وسريعة لمنع إيران والنظام وداعميه ومليشياته من ارتكاب المزيد من الجرائم الكبرى التي يندى لها جبين الإنسانية.